الإعفاء من “شهادات حلال” يثير جدلًا واسعًا في مصر.. والحكومة توضح الأسباب والتداعيات 

أثار إعلان الحكومة المصرية مؤخرًا عن إعفاء منتجات الألبان المستوردة من الولايات المتحدة الأميركية من متطلبات شهادات حلال ضجة واسعة في الأوساط الاقتصادية والدينية، وسط تساؤلات حول خلفيات القرار وتداعياته على السوق المحلي والمعايير الشرعية المعتمدة في استيراد المنتجات الغذائية.

خلفية القرار الحكومي 

جاء القرار بعد إعلان رسمي من رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، الذي أوضح أن الحكومة وافقت على إعفاء دائم لمنتجات الألبان ومشتقاتها المستوردة من الولايات المتحدة من الحصول على شهادة الحلال، معتبرًا أن هذه الخطوة تمثل دعمًا مباشرًا لتسهيل التبادل التجاري مع الشريك الأميركي، وتيسير حركة الاستيراد لصالح السوق المصري.


القرار، الذي وصف بأنه غير مسبوق، أثار ردود فعل متباينة بين التأييد الكامل لتوجه الحكومة نحو خفض تكاليف السلع الغذائية، والقلق من احتمالية إغفال الضوابط الشرعية في المنتجات المستوردة، خاصة في بلد يعتمد فيه ملايين المستهلكين على الثقة في شعار “حلال”.

توضيح مجلس الوزراء 

في محاولة لامتصاص الجدل، خرج المستشار محمد الحمصاني، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، بتصريحات توضيحية أكدت أن الهدف من القرار ليس إلغاء شهادات الحلال بشكل عام، بل هو جزء من خطة أوسع لإعادة تنظيم آليات إصدار هذه الشهادات، من خلال تنويع الجهات المخوَّلة بإصدارها، وإعطاء الفرصة للقطاع الخاص للمشاركة.

وأشار الحمصاني إلى أن القرار جاء استجابة لشكاوى عديدة من المصدرين والمستوردين، حول ارتفاع رسوم إصدار الشهادات وقلة عدد الجهات المعتمدة، مما كان يسبب تأخيرات في عمليات الاستيراد وارتفاع تكاليف المنتجات النهائية.

وأكد المتحدث أن وزارة الزراعة بصدد اتخاذ إجراءات عملية لزيادة عدد الشركات المخوَّلة بإصدار شهادات حلال، بهدف تعزيز التنافسية، وتحقيق مرونة أكبر في النظام، مع دراسة خفض رسوم تقييم المطابقة للمنتجات والمنشآت الغذائية، مما سينعكس إيجابًا على سعر المنتج النهائي للمستهلك المصري.


ما هي شهادة الحلال؟ ولماذا تهم المستهلك المصري؟ 

شهادة الحلال هي وثيقة تصدرها جهة معتمدة تؤكد أن المنتج الغذائي أو غير الغذائي مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية في جميع مراحل الإنتاج والتغليف والنقل.

وغالبًا ما تشمل هذه الشهادات منتجات اللحوم والدواجن، ولكن في السنوات الأخيرة، امتد استخدامها ليشمل منتجات الألبان والمأكولات المصنعة والعناية الشخصية وغيرها.

بالنسبة للمستهلك المصري، فإن شعار “حلال” ليس مجرد علامة تجارية، بل هو ضمان لالتزام المنتج بالمبادئ الدينية، الأمر الذي يكسبه ثقة كبيرة في السوق المحلي، ويجعله شرطًا أساسيًا في قرارات الشراء، خاصة في المناطق الريفية والمحافظات ذات الطابع المحافظ.

القطاع الخاص يدخل على الخط 

من بين أبرز مخرجات القرار الحكومي، هو منح الفرصة للشركات الخاصة للدخول في مجال إصدار شهادات الحلال، وهو ما يُعد تحوّلًا جذريًا في هذا القطاع الذي ظل لسنوات حكرًا على جهات حكومية أو كيانات محدودة.


ويرى اقتصاديون أن تحرير هذا المجال قد يُحدث توازنًا في السوق، ويخفض الأسعار، ولكنه يحتاج إلى رقابة صارمة ومعايير موحدة لضمان عدم العبث بمفهوم “الحلال”، أو استغلاله كوسيلة تسويقية دون رقابة حقيقية.

هل القرار يخص اللحوم؟ مجلس الوزراء يوضح 

في ظل انتشار شائعات تفيد بأن القرار الحكومي يشمل إعفاء لحوم أو دواجن من شهادات الحلال، أكد مجلس الوزراء أن الإعفاء الحالي يخص فقط منتجات الألبان المستوردة من الولايات المتحدة، ولا يشمل اللحوم أو المنتجات الحيوانية الأخرى.

شهادات حلالشهادات حلال
شهادات حلال

وشددت الحكومة على أن المعايير الصارمة التي تفرضها الجهات الرقابية على اللحوم الحمراء والبيضاء ستظل سارية، وأن أي استثناءات مستقبلية سيتم دراستها بدقة وتنسيق مع المؤسسات الدينية والرقابية المختصة.

ردود فعل متباينة من الشارع المصري 

تباينت ردود الفعل في الشارع المصري بشأن هذا القرار، ففي حين رأى بعض المستهلكين أنه قد يسهم في خفض أسعار منتجات الألبان التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا خلال الشهور الماضية، عبّر آخرون عن مخاوفهم من دخول منتجات غير مطابقة للمعايير الشرعية أو الصحية إلى السوق المحلي.

تقول السيدة منى عبد السلام، ربة منزل من الجيزة: “أنا لا أشتري أي منتج مستورد لا يحمل ختم الحلال. لو مش مكتوب عليه حلال، حتى لو أرخص، مش هاخده. إحنا مسلمين وده مهم عندنا”.


في المقابل، يرى أحمد رمضان، موظف بإحدى شركات الاستيراد، أن القرار جاء في وقته المناسب: “إجراءات شهادة الحلال كانت بتأخر الإفراج الجمركي، وبتزود التكاليف بشكل كبير. السوق محتاج مرونة أكتر وتنظيم جديد”.

مراقبة وتنظيم.. لا تهاون في “الحلال” 

أمام هذا الجدل، يبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة هو إرساء منظومة فعّالة لتنظيم إصدار شهادات الحلال، تضمن التزام الشركات الخاصة بالمعايير المعتمدة، وتوفر رقابة صارمة تحول دون استغلال الثغرات.

ويؤكد خبراء أن نجاح هذا النموذج يتطلب تعاونًا مشتركًا بين وزارات الزراعة والتموين والرقابة على الصادرات والواردات، إلى جانب المؤسسات الدينية الرسمية، لضمان حماية المستهلك، والحفاظ على صورة مصر كدولة إسلامية ملتزمة بالقيم الشرعية في تعاملاتها التجارية.

. .wpit

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *