حوار: حسام السندنهوري

لأن الثقافة لم تعد مجرد ترفٍ أو من الكماليات الحياتية، خاصةً في عصر العولمة والسماوات المفتوحة، الذي أصبحت فيه الثقافة الوطنية مهددة بالغزو الثقافي ومحاولات طمس الجذور الثقافية للأوطان، كان لزامًا علينا أن نتوقف ونتأمل هذه القضية بعمق.

ولأن الحوار الصحفي لم يكن هدفه مجرد ملء مساحة في الباب الثقافي والأدبي، سعينا إلى البحث عن مثقف وطني يحمل بين طياته هموم الثقافة والمثقفين، ليكون الحوار محاولة لتشخيص الحالة الثقافية، سواء في مصر أو في العالم العربي، وللخروج برؤى وحلول لهذه الإشكاليات التي تعترض طريقنا نحو مستقبل ثقافي أفضل.

وفي إطار هذا الهدف، كان لنا هذا اللقاء الصحفي مع القامة الثقافية والأدبية الكبيرة، الناقد والشاعر القدير حزين عمر، الذي يحمل في شخصيته صفات عدة، فهو مفكر، مثقف، شاعر، كاتب صحفي، كاتب مسرحي، ناقد، ومدير تحرير بدار الجمهورية للصحافة.

بالإضافة إلى ذلك، يدير صالونًا ثقافيًا مميزًا يستضيف كبار أساتذة الجامعات والسفراء والأدباء، وله العديد من الإصدارات المؤثرة في مجالات المسرح والشعر والفكر.

وفيما يلي تفاصيل الحوار:

في البداية، شكرناه على قبوله إجراء هذا الحوار، وسألناه:

كيف تقيّم الحالة الأدبية والمستوى الأدبي الحالي في مصر والعالم العربي، سواء في مجال القصة القصيرة أو الرواية أو الشعر؟ وما المقومات التي تحتاجها الحياة الأدبية لمواصلة مسيرة تقدمها؟

فضحك في بداية حديثه وقال: “هذا السؤال يمكن أن نكتب فيه كتابًا، لكنني سأحاول تركيز الإجابة لتكون موجزة ومباشرة”.

وأوضح أن المحرض على هذا السؤال هو الوضع الاقتصادي والسياسي غير المستقر في مصر والوطن العربي.

وأضاف: “الأوضاع الحالية ليست على ما يرام، فبالنسبة لمصر، هناك مشكلات اقتصادية واضحة، وبالنسبة للوطن العربي، هناك تحديات متعلقة بالأمن والسياسة. العدوان علينا مستمر منذ عام 1948، وأحداث مثل العدوان الصهيوني الأخير على غزة ولبنان تعكس ذلك، ومن الطبيعي أن يظن البعض أن سوء الأوضاع العامة يؤدي إلى تراجع الأدب، لكن هذا ليس صحيحًا دائمًا.

على مر التاريخ، كثيرًا ما استفاد الأدب من تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ على سبيل المثال، في القرن الرابع الهجري، كانت الدولة العباسية تعاني مشكلات كبرى مثل ظهور دويلات مستقلة ومحاولات انفصال ومعارضات وثورات، ورغم ذلك شهد هذا العصر ظهور عباقرة مثل المتنبي وأبو العلاء المعري والحمداني وغيرهم ممن لا يمكن حصر أسمائهم.
كل واحد منهم كان بمثابة دولة أدبية في حد ذاته.

أما اليوم، فإن المشهد الأدبي في مصر تحديدًا يشهد ازدهارًا في الإبداع الفردي. الأعمال الأدبية الفردية، مثل الشعر والقصة القصيرة والرواية، تشهد تقدمًا كبيرًا لأنها تعتمد على جهود فردية وليست مشروعات جماعية.
فالشعر، على سبيل المثال، لا يحتاج سوى ورقة وقلم ووقت وبعض الإلهام. يمكن للشاعر أن يكتب في أي مكان، سواء كان في مقهى أو حافلة أو نادٍ. لهذا، لدينا وفرة في الإنتاج الشعري والأدبي بشكل عام.

وفي مجال القصة القصيرة والرواية، هناك أيضًا غزارة في الإنتاج لأن هذه المجالات تعتمد على الجهد الفردي، ويمكن القول إن لدينا في مصر وفرة كبيرة من المواهب الأدبية والمبدعين في مختلف المجالات، سواء في الأدب أو الفن التشكيلي أو الموسيقى أو حتى في الأبحاث والدراسات. كل ذلك يثمر إنتاجًا أدبيًا غنيًا ومزدهرًا، بعكس ما يظنه البعض”.

وعن عدم ظهور قامات أدبية مثل شوقي وحافظ وإبراهيم ناجي، قال: “إن كل شاعر هو حالة فريدة لا تتكرر، ولا يمكن أن يكون شاعر ما نسخة من الآخرين، وإلا فما الحاجة إليه طالما أن النسخة الأصلية موجودة؟”

وأضاف أن الأدب في مصر يشهد ازدهارًا في المجالات التي تعتمد على الجهود الفردية.

وعن الأعمال المؤسسية الجماعية في المجال الأدبي والثقافي، قال: “الأعمال الجماعية المؤسسية، مثل المسرح، تواجه تحديات مختلفة؛ وعلى مستوى النصوص، هناك وفرة هائلة؛ فعلى سبيل المثال، لدينا سلسلة مسرحية تصدر عن هيئة الكتاب تُسمى سلسلة نصوص مسرحية، وإذا استعرضنا إنتاج السنوات العشر الماضية فقط، سنجد ما لا يقل عن 200 إلى 300 نص مسرحي.

هذا الكم يكفي لتشغيل المسارح ليلًا ونهارًا ولسنوات عديدة.

لكن المشكلة تكمن في الإنتاج الذي يُعتبر عملًا مؤسسيًا وليس فرديًا، فالإنتاج المسرحي يتطلب تمويلًا كبيرًا، وإدارة فعّالة، ومسارح مجهزة، وفنيين متخصصين في مختلف المجالات، بالإضافة إلى الترويج وجذب الجمهور.
هذه العناصر كلها تتطلب كيانات ضخمة، سواء رسمية من خلال الدولة أو عبر القطاع الخاص.

على سبيل المثال، في الماضي، كان لدينا مسارح خاصة مزدهرة مثل مسرح رمسيس ليوسف وهبي، إلى جانب العديد من المسارح الأخرى التي كانت تُدار بواسطة القطاع الخاص.
ومع ذلك، منذ الخمسينيات والستينيات، لعبت الدولة دورًا مهمًا في سد هذا الفراغ من خلال المؤسسات الرسمية.

حاليًا، نعاني من مشكلة كبيرة في هذا النوع من العمل الجماعي، فالأمر لا يقتصر على المسرح فقط، بل يمتد أيضًا إلى السينما.

فعلى الرغم من وفرة النصوص الروائية والقصصية التي تصلح للإنتاج السينمائي، إلا أن هناك عوائق كبيرة تتعلق بالإنتاج، مثل غياب دور العرض، ضعف الإدارة، ونقص التمويل.

كل هذه العقبات مرتبطة بالعمل المؤسسي الذي لا يستطيع الكاتب وحده معالجته. لذلك، تظل المشكلة قائمة، وتثير الكثير من النقاشات بين المثقفين والمعنيين بالمجال الثقافي”.

وعلى المستوى العربي، قال: “قد يكون نصيب الأدباء على المستوى العربي أفضل مما هو في مصر، على عكس ما كان عليه الوضع قبل 40 أو 50 عامًا.
ففي تلك الفترة، كان من السهل في مصر نشر كتاب والعثور على ناشر سواء من القطاع العام أو الخاص، بل وكان الكاتب يتلقى مبلغًا من المال، حتى وإن كان قليلًا.

أما الآن، فقد تحسنت أوضاع الأدباء في بعض الدول العربية بشكل كبير. ففي الإمارات، الكويت، السعودية، أو عُمان، يمكن للكاتب أن يحصل على مقابل مادي لما يكتبه، ويستطيع أن يعيش من كتاباته، وهذا ساهم في تحريك الحركة الأدبية للأمام، كما أن هناك إنتاجًا جيدًا في هذه الدول، ولكن بدعم من الدولة والمؤسسات الرسمية، وليس بجهود فردية كما يحدث في مصر”.

وعن النشر الأدبي والثقافي، قال: “حاليًا، هناك العديد من دور النشر، لكنها للأسف تمتص دم الكاتب بدلًا من دعمه، دار النشر هي من تطلب تكلفة النشر من الكاتب، مما يشكل عبئًا كبيرًا عليه، إلى جانب ذلك، هناك مشكلة أخرى تتمثل في عدم وجود دخل للكاتب في مصر، إذ أصبح الكاتب ينفق على الكتابة من جيبه الخاص، دون أي عائد مادي يُذكر”.

وعن تقييمه لدور المؤسسات الصحفية والنشر الصحفي، خصوصًا الصحف والمجلات الأدبية، في مساندة الأديب لنشر إبداعاته الأدبية، قال: “المؤسسات الصحفية، من اسمها، دورها الأساسي هو الإنتاج الصحفي وليس الإبداع الأدبي، ومع ذلك هناك علاقة قوية بين الصحافة والأدب، فعلى سبيل المثال، نشأت القصة القصيرة في الأساس في أحضان الصحافة، وبالرغم من أن المؤسسات الصحفية مهنية بطبيعتها، وتهتم بتقديم العمل الصحفي بأشكاله المختلفة، سواء التقليدية أو الإلكترونية، إلا أن هناك ارتباطًا وثيقًا بينها وبين الأدب.

تاريخيًا، كان مؤسسو المؤسسات الصحفية الكبرى في مصر من الأدباء والمثقفين. فمثلًا، روز اليوسف، التي كانت مثقفة كبيرة إلى جانب كونها ممثلة، وجورجي زيدان، الكاتب الكبير والمؤرخ ومؤسس دار الهلال، كذلك عائلة تقلا التي أسست الأهرام، والتي كان لها توجه ثقافي واضح، وأيضًا رفاعة رافع الطهطاوي، أول رئيس تحرير لجريدة الوقائع المصرية، الذي يُعتبر أب النهضة الثقافية الحديثة، بالإضافة إلى شخصيات مثل الشيخ محمد عبده، والدكتور محمد حسين هيكل، رئيس تحرير السياسة والأحرار الدستوريين. كما أن رموزًا أدبية مثل أحمد لطفي السيد، طه حسين، والعقاد كتبوا في الصحافة، وكان للعقاد إسهامات بارزة في أخبار اليوم.

أما الآن، فقد تراجع دور المؤسسات الصحفية في نشر الأدب بشكل ملحوظ.

على سبيل المثال، كان لدينا كتاب الجمهورية، الذي أصدرته جريدة الجمهورية كإحياء لكتاب التحرير خلال فترة ازدهار دار التحرير للطباعة والنشر، ومن أبرز إصداراته كتاب الأغاني للأصفهاني، ولكنه اختفى بعد فترة، وأعيد إصدار كتاب الجمهورية لاحقًا على يد الأستاذ محمد أبو الحديد أثناء رئاسته لمجلس الإدارة، وتولاه أدباء مثل الدكتور فتحي عبد الفتاح، ولكنه الآن شبه منعدم، ولا يُصدر إلا عملًا واحدًا في السنة، وغالبًا لا يكون أدبيًا.

كذلك، كانت لدينا روايات الهلال وكتاب الهلال، لكنهما يواجهان صعوبات واضحة. أما جريدة أخبار الأدب بمؤسسة الأخبار، التي كانت الآمال معقودة عليها في بدايتها، فقد تقلص دورها وأصبحت مغلقة على فئة محددة من الكُتّاب منذ صدورها.

الإصدارات الأدبية والثقافية داخل المؤسسات الصحفية لم تحظَ بالاهتمام الكافي، قد يكون السبب في ذلك ضعف الإدارة أو غياب الموضوعية، وربما عدم توفر التمويل الكافي لدعم هذه الإصدارات”.

وعن نشر الإبداع الأدبي في الصفحات الأدبية، قال: “تقلصت الصفحات الأدبية كثيرًا، رغم وجود بعض المحاولات مثل الصفحة الأسبوعية في الأخبار أو صفحات أخرى في صحف مثل الأهرام، ومع ذلك فقدت هذه الصفحات بريقها وتأثيرها مقارنة بما كانت عليه قبل 10 أو 20 أو حتى 30 عامًا. الإصدارات الورقية نفسها تراجعت، ولم يعد أحد يهتم بها كما كان من قبل”.

وعن هيئات النشر التابعة للدولة وأسباب تقلص دورها ووضعها القيود على قبول أعمال الكُتّاب، قال: “دور النشر الرسمية المخولة بالنشر، مثل تلك التابعة لوزارة الثقافة، تواجه تحديات كبيرة، وأود التأكيد هنا أن وزارة الثقافة ليست هي الثقافة بحد ذاتها، بل هي مؤسسة تنظيمية وإدارية للعمل الثقافي، فالمثقفون أكبر من أن تحتويهم أي وزارة، ولكن الوزارة بحاجة إلى إعادة صياغة، وتنشيط، وإحياء، مع التخلص من السلبيات التي تعاني منها حاليًا.

بالنسبة للهيئة العامة للكتاب، فهي المخولة بإصدار الكتب الأدبية، وكانت سابقًا تُصدر لكل كتاب حوالي 3000 نسخة، ولكن الآن، بشكل غير معلن، تقلص هذا العدد إلى حوالي 500 نسخة فقط، هذا إلى جانب بطء الإصدار، ففي عهد الدكتور سمير سرحان، رحمه الله، كانت الهيئة تُصدر ما يصل إلى 10 إصدارات في الأسبوع، أما الآن فقد تراجع عدد الإصدارات بشكل كبير، رغم أن الهيئة تتلقى ميزانية مخصصة لهذا الدور.

هيئة قصور الثقافة أيضًا كانت تلعب دورًا مهمًا في إصدار السلاسل والكتب المتعلقة بالتراث، لكنها لم تعد تُبذل الجهد نفسه، كما أن الإقبال على إصداراتها تراجع كثيرًا، كذلك هناك المركز القومي للترجمة والمجلس الأعلى للثقافة، اللذان يصدران بعض الكتب، لكنها غالبًا لا تعبر عن الواقع الأدبي أو الثقافي الحقيقي.

أما عن منح التفرغ التي يقدمها المجلس الأعلى للثقافة، فقد توقفت عن إصدار أي كتاب منذ حوالي 8 سنوات، رغم تكلفتها العالية التي تتحملها الدولة، هذا الجمود تسبب في اختناق حركة النشر العام”.

وعن القيود على الكُتّاب، أوضح: “هذه المؤسسات لا تُملي على الكاتب موضوعات بعينها ليكتب فيها، ولا تمنعه من الكتابة في مجالات معينة، لكنها تؤدي دورًا رقابيًا أكثر من أن يكون قيمًا أو فنيًا. المفترض أن يكون دورها هو نشر الأعمال الجيدة والقيمة دون النظر إلى الاعتبارات الرقابية، ولكن للأسف، الرقابة أصبحت متغلغلة بشكل غير معلن.

على سبيل المثال، تسربت بعض الكتب إلى معرض الكتاب تحتوي على أفكار متطرفة أو دعوات للعنف، مما دفع الجهات الرسمية إلى تشديد الرقابة. في بعض الأحيان، يتولى الموظف في هيئة النشر دور الرقيب خوفًا على منصبه أو لأي أسباب أخرى، وهو أمر يساهم في تقييد حرية النشر والإبداع”.

وعن تفسيره لغياب دور المعلم أو الأساتذة ممن يرعون المواهب الشابة، وظهور مصطلحات مثل “جيل بلا أساتذة”، قال: “هذا المصطلح تردد منذ سنوات طويلة، ربما منذ الثمانينيات والتسعينيات، عندما بدأ بعض الشباب يقولون إنهم جيل بلا أساتذة. الحقيقة أن جيلنا والجيل التالي لنا فقدوا الرعاية المباشرة التي كانت متاحة لمن سبقونا.
جيل الستينيات، على سبيل المثال، كان لديهم دعم ورعاية من أسماء كبيرة مثل طه حسين، العقاد، نجيب محفوظ، أمين الخولي، وغيرهم. هؤلاء كانوا يقدمون لجيل الستينيات النصح والتوجيه والإرشاد، وهو ما لم يتوفر لجيلنا.

وعندما بدأنا الكتابة، لم نجد هذه الرعاية، مما دفع البعض إلى القول بأننا جيل بلا أساتذة، لكن هذا التعبير غير دقيق وغير علمي، فلا يوجد كاتب أو مبدع بلا أستاذ، حتى إن لم يكن هناك أستاذ مباشر، فإننا جميعًا تتلمذنا على أعمال السابقين، من الشعراء والأدباء القدامى، كما قال أمين الخولي: “أول التجديد قضم القديم فهمًا”، وبالتالي يجب أن يُنظر إلى هذا المصطلح بموضوعية، فهو يعكس حالة من الافتقار إلى التواصل بين الأجيال الأدبية أكثر من كونه حقيقة”.

وعن القيود المفروضة على الأديب من قبل دور النشر أو القيود الاجتماعية والثقافية، قال: “دور النشر الخاصة تعاني من مشكلة كبيرة؛ نادرًا ما تجد ناشرًا حقيقيًا. الغالبية يتحولون إلى تجار، يهتمون فقط بالمكسب المادي دون النظر إلى المحتوى الأدبي أو قيمته.
سابقًا، كانت هناك دور نشر يقودها مبدعون مثل عبد الحميد جودة السحار في مكتبة مصر، أو د. زكي نجيب محمود في دار النشر للجامعيين، وكانوا يهتمون بتبني المواهب. أما الآن، فالناشر يتحول إلى مجرد مطبعة؛ يأخذ المال من الكاتب لنشر الكتاب، ولا يهتم بقراءته أو الترويج له.

هذا الوضع يزيد من معاناة الأدباء، حيث يصبح الكاتب في مواجهة مباشرة مع أعباء النشر والتوزيع، دون أي دعم يُذكر. كثير من الناشرين يخالفون بنود العقود، ويستغلون الكتب في معارض خارجية دون الرجوع للكاتب أو توفير أرباح عادلة له.

ومع ذلك، لسنا ضد دور النشر الخاصة، لكننا نطالب بعلاقة منطقية وعادلة بين الكاتب والناشر. كما نتمنى أن يكون هناك دعم من الدولة للكتاب، لأنه يُعتبر عماد الثقافة وأساسها، خصوصًا في مصر”.

وعن ضرورة وجود وظيفة أساسية للكاتب بجانب الكتابة، قال: “هذا سؤال مهم جدًا. في مصر، من المستحيل تقريبًا أن يعيش الكاتب من الكتابة فقط، فالكتابة تحتاج إلى مصدر دخل يُمكّن الكاتب من الإنفاق على نفقاتها، سواء في مراحل الكتابة أو النشر.

حتى العقاد، الذي كان من أبرز الكُتّاب المتفرغين في مصر خلال القرن الماضي، عاش حياة شاقة وضنك، واضطر لبيع كتبه لتغطية احتياجاته الأساسية. ورغم تفانيه في الكتابة، لم يستقر ماديًا إلا قبل وفاته بسنوات قليلة عندما عمل في أخبار اليوم براتب شهري.

لذلك، غالبية الكُتّاب يعتمدون على وظائف أخرى مثل الصحافة أو التدريس أو الطب، لأن الكتابة وحدها لا تكفي لتوفير احتياجات الحياة”.

وعن الأدباء الشباب الذين يتوقع لهم مستقبلًا متميزًا، قال: “المستقبل الإبداعي في مصر يبدو واعدًا، والإبداع الفردي في ازدهار. هناك العديد من المبدعين الشباب المتميزين في مجالات القصة القصيرة والرواية والشعر، مثل: عبد العليم إسماعيل، د. عبد القادر الهواري، طارق عبد الوهاب، محمد زهران، د. صديق عطية، ماجدة جبر، نادية السنوسي، هبة عبد الوهاب، أماني شكم، سحر ثابت، آمال عبد القوي، منال رضوان، وفاء أمين.

هؤلاء يتميزون إنتاجًا وإبداعًا، لكن الترويج لهم وتقديمهم لجمهور أوسع هو مسؤولية المؤسسات الرسمية والعامة، ولا يكفي وجود المواهب فقط؛ لا بد من دعمها ورعايتها حتى تصل إلى مستحقيها”.

وعن تأثير الإنترنت والاعتماد عليه كمصدر للمعرفة على حياتنا الأدبية، سواء من حيث الكتابة أو القراءة، قال: “الإنترنت له تأثير مزدوج على الحياة الأدبية؛ فهو يؤثر سلبًا من جهة، لكنه يقدم جانبًا إيجابيًا أيضًا، فمن الإيجابيات أنك تستطيع البحث عن كتب والاستفادة منها بسهولة.
على سبيل المثال، عندما أردت كتاب فجر الضمير الذي كان لدي نسخة مطبوعة منه، ولم أجده في مكتبتي، لجأت إلى الإنترنت ووجدته متاحًا.

هناك ملايين الكتب على الإنترنت، ولكن السؤال هو: هل المواطن العربي سيبحث عن هذه الكتب؟ أم أنه سينشغل بالمحتوى المثير فقط؟

التكنولوجيا الحديثة، مثلها مثل الانشطار النووي، يمكن توظيفها في الخير أو الشر. يمكن استخدامها لتدمير البشر أو لمعالجتهم من أمراض مثل السرطان.
علينا أن نوجه هذه التكنولوجيا لما يخدمنا ويفيدنا، وخاصة في الدفاع عن قضايانا عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.

وعن تراجع عدد الصالونات الأدبية واختفائها تقريبًا في زمننا، قال: “بالنسبة لي، الصالون الثقافي الخاص بي كان امتدادًا لندوة كنت أعقدها في نقابة الصحفيين على مدى 30 عامًا، تُسمى ندوة الجيل الجديد، مر بها غالبية أدباء مصر، وحضرها رموز كبيرة مثل الدكتور كمال نشأت، والدكتور حسن فتح الباب، ومحمد محمود عبد الرازق، ونبيل عبد الحميد.

مع الوقت، طورت هذه الندوة إلى صالون ثقافي يناقش قضايا فكرية عامة، ويجمع رموزًا من اتجاهات مختلفة؛ المهم في الصالونات أن يكون صاحبها شخصًا ذا رأي وقيمة، يذهب إليه الناس للاستماع إليه ولتبادل الأفكار، صالونات مثل صالون العقاد ومي زيادة كانت مؤثرة بسبب أصحابها.

على عكس الندوات، الصالون لا يُشترط أن يكون شائعًا أو متكررًا، لكنه يجب أن يؤدي دورًا حقيقيًا في الحياة الثقافية، أما اليوم، فهناك الكثير من أنصاف المثقفين الذين يعقدون صالونات بلا قيمة حقيقية.

بوجه عام، تراجعت الصالونات والندوات والتجمعات الأدبية بشكل ملحوظ، حتى ما تبقى منها لا يحضره سوى أعداد قليلة، وهو ما يعكس حالة من الإحباط العام وشعور الناس بعدم الجدوى، مما دفعهم إلى الانطواء على أنفسهم. الوضع الحالي ليس مشجعًا ولا يدعو للتفاؤل”.

وعن رأيه في انتشار ظاهرة حضور الندوات والمهرجانات الثقافية عبر دعوات خاصة أو بتذاكر مدفوعة، سواء في بعض مؤسسات الدولة أو المؤسسات الخاصة، قال: “هذا أمر غير منطقي، وأعتبره بدعة ضارة، ومن المفترض أن الجمهور عامة يكون له الحق في الوصول إلى الثقافة بكل فروعها وفنونها، فكيف يتوقع من الناس أن تشترى تذاكر لحضور ندوات أو مهرجانات، وهي بالكاد قادرة على توفير احتياجاتها الأساسية مثل رغيف الخبز؟

هذه المهرجانات، في الأصل، ممولة من الدولة، وليس من حق أي جهة أن تتاجر بها، ويكفي أن تجارة الكتب أصبحت تحت رحمة الناشرين الخصوصيين، الذين يتحكمون في سوق الكتاب بشكل غير عادل.

الثقافة يجب أن تكون كالماء والهواء، متاحة للجميع دون حجب. ويجب على الجهات المعنية أن تلتفت إلى هذا الأمر بجدية. إذا كان الدكتور طه حسين قد قال إن التعليم كالماء والهواء، فإن الثقافة أيضًا لا تقل أهمية عن ذلك”.