وافق مجلس الوزراء المصري خلال اجتماعه الأسبوعي الذي عُقد أمس، في العاصمة الإدارية الجديدة، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، على مشروع قانون تعديل بعض أحكام قانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981.

ويتضمن التعديل عدة محاور جوهرية تستهدف تحديث البنية التعليمية، ومواءمة المناهج والكوادر مع احتياجات سوق العمل المحلي والدولي.
قرار عاجل بشأن المحالين للمعاش
من أبرز تفاصيل تعديل قانون التعليم التي نالت اهتمام الرأي العام، ما تضمنه من قرار بمد خدمة أعضاء هيئة التعليم ممن يبلغون سن المعاش خلال العام الدراسي الحالي، ليستمروا في أداء مهامهم حتى نهاية العام الدراسي.
وتأتي هذه الخطوة لضمان استقرار العملية التعليمية، ومنع حدوث عجز مفاجئ في عدد المعلمين داخل المدارس، وهي أزمة تتكرر كل عام مع بداية الفصل الدراسي.
وصرح مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم، بأن القرار يأتي تماشياً مع مقتضيات المصلحة العامة، وحفاظاً على انتظام اليوم الدراسي في ظل نقص الكوادر التعليمية المؤهلة.
أهداف التعديل: بناء جيل مهاري يواكب المتغيرات
تسعى تفاصيل تعديل قانون التعليم الجديدة إلى تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية، على رأسها تطوير مخرجات التعليم، والانتقال من منظومة تعتمد على الحفظ والتلقين إلى أخرى تركّز على المهارات والابتكار والتكنولوجيا.
ويركز التعديل على عدة ركائز:
إعادة هيكلة التعليم الفني وربطه مباشرة بالصناعة وسوق العمل.
إتاحة مسارات تعليمية متعددة تلبي تطلعات الطلاب، وتخدم توجهات الدولة التنموية.
تكريس شراكات مع مؤسسات الإنتاج والأعمال.
إدراج التعليم التكنولوجي كمسار رئيسي إلى جانب العام والفني.
التعليم المهني في قلب الإصلاح الجديد
في تحول يعكس فهماً عميقاً لمتطلبات المستقبل، تضمن مشروع القانون إضافة مسار التعليم الثانوي المهني.
ويستهدف هذا المسار إعداد كوادر فنية متخصصة قادرة على تلبية الاحتياجات الفنية واليدوية للمجتمع، إلى جانب توفير فرص تدريب عملية داخل قطاعات الصناعة والخدمات.
ويأتي ذلك في وقت تُبدي فيه الدولة اهتمامًا متزايدًا بتعزيز التعليم الفني، واعتباره مسارًا موازيا لا يقل أهمية عن التعليم الأكاديمي.
ويأمل خبراء التعليم أن تساهم هذه النقلة في الحد من البطالة، وتحقيق تكامل بين مخرجات التعليم وسوق العمل.
تحديد سنوات التعليم الإلزامي بوضوح
من بين تفاصيل تعديل قانون التعليم البارزة، تحديد مدة التعليم الإلزامي بـ 12 سنة، تبدأ من المرحلة الابتدائية وحتى نهاية المرحلة الثانوية، وينقسم التعليم الأساسي إلى مرحلتين:
المرحلة الابتدائية: 6 سنوات.
المرحلة الإعدادية: 3 سنوات.
فيما تمتد المرحلة الثانوية العامة أو الفنية أو التكنولوجية لثلاث سنوات، ليصبح المجموع 12 سنة تعليم إلزامي.
ويأتي هذا التحديد استجابة لمطالب أولياء الأمور والمهتمين بالشأن التعليمي بوضع إطار زمني واضح ومُلزم يضمن حصول كل طالب على الحد الأدنى من التعليم اللازم.
التعليم التكنولوجي.. مستقبل واعد يبدأ الآن
في ظل الطفرة الرقمية التي يشهدها العالم، أولى التعديل أهمية بالغة لـ التعليم التكنولوجي المتقدم، وحدد مدة دراسته بخمس سنوات.
ويُعد هذا المسار من أبرز ما جاء في تفاصيل تعديل قانون التعليم، حيث يفتح الباب أمام خلق جيل من المهندسين والفنيين والتقنيين القادرين على التعامل مع الذكاء الاصطناعي، والأتمتة، والنظم الذكية في مختلف القطاعات.
ويرى مراقبون أن الاستثمار في هذا النمط من التعليم، يمثل رهانًا رابحًا على المستقبل، خاصة مع توجه الدولة إلى توطين التكنولوجيا ودعم الصناعات الذكية.
تعديلات على مناهج ومقررات الثانوية العامة
لم تغفل التعديلات الجوانب الأكاديمية، فقد نصت على أن تتكون مقررات الدراسة في المرحلة الثانوية العامة من مواد عامة أساسية، بالإضافة إلى مواد تخصصية اختيارية يتم تحديدها وفقًا للأقسام التي يقرها وزير التعليم، بالتنسيق مع المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي، والمجلس الأعلى للجامعات.
وتسعى هذه الخطوة إلى إتاحة قدر أكبر من المرونة والتخصص أمام الطلاب، بما يساعد على توجيههم نحو المجالات التي تناسب قدراتهم وميولهم، ويقلل من نسب التسرب التعليمي بسبب الجمود في المناهج التقليدية.
ربط التعليم الجامعي بالمراحل السابقة
أكدت الحكومة في بيانها أن التعديلات الجديدة تمهد لربط أفضل بين التعليم قبل الجامعي والتعليم العالي، وهو ما سيساهم في تقليل الفجوة بين المحتوى التعليمي في المدارس والجامعات، ويُسهل من عملية الانتقال الأكاديمي للطلاب.
كما سيتم العمل على تطوير المناهج بشكل دوري، ووضع آليات لتدريب المعلمين على طرق التدريس الحديثة، بما يضمن مواكبة التغيرات المتسارعة في شتى المجالات العلمية والتقنية.
رأي الخبراء: التعديل خطوة ولكن التطبيق هو الفيصل
يرى عدد من خبراء التعليم أن تفاصيل تعديل قانون التعليم تمثل نقلة نوعية في الرؤية التعليمية، لكنها تحتاج إلى تطبيق فعلي محكم على أرض الواقع حتى تؤتي ثمارها.
ويُحذر البعض من مخاطر التطبيق النظري دون توفير البنية التحتية والتدريب الكافي للمعلمين.
في هذا السياق، قال الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوي، إن نجاح القانون مرهون بتوافر إرادة تنفيذية حقيقية، وموارد كافية لدعم التغيير، لافتًا إلى أن التجارب السابقة أظهرت فجوة بين النصوص القانونية والواقع العملي في المدارس.
ختامًا.. هل نبدأ من جديد أم نُكمل البناء؟
في ظل التحديات التي تواجه منظومة التعليم في مصر، يأتي تعديل قانون التعليم كفرصة ثمينة لإعادة ضبط المسار، وتجديد الدماء في نظام ظل لعقود يعاني من التشوهات.
تعليقات