المريني: الترجمة تستحضر معاني التجربة الذاتية .. والزرابي "نصوص سرية" - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

رؤيةٌ في “رهانات الترجمة في التحليل النفسي” قدّمها أحمد فريد لمريني، الأخصائي في الطب النفسي، رئيس الجمعية المغربية للتحليل النفسي، والعضو المؤسس لكرسي فاطمة المرنيسي، حيث استقبلَ، مساء أمس الجمعة، مقر المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، محاضرة نظمتها الهيئة الأكاديمية العليا للترجمة، التابعة لأكاديمية المملكة المغربية.

وناقش لمريني “كيفية انفتاح التحليل النفسي على دلالات لغوية مألوفة مرتبطة بحياتنا النفسية”، ومن بينها كلمة “المكتوب” العربية في معناها بالدارجة المغربية، مع مقاربة علاقة “الذات” بـ”النص” في “ثقافتنا”، والعلاقة بين “المكتوب” و”اللاشعور بوصفه نصا”.

واهتم الأخصائيّ ذاته بـ”التأثيرات النفسية التي تشكل اختيارات المترجم، وكيفية تفاعله مع النص المترجَم”؛ كما نظر إلى الترجمة بوصفها لا عملية لغوية فقط، بل “فعلا تحليليا يتجاوز النقل الحرفي، ليعكس أبعادا نفسية وثقافية تسهم في إعادة تشكيل النصوص”، لأن “المترجم في تفاعله مع النص لا يقتصر على مجرد نقل الكلمات من لغة إلى أخرى، وإنما يعمد إلى خلق نص جديد مُشبع بالمعاني المتصلة بتجربته الذاتية وفهمه العميق لثقافة النص الأصلي”.

وقال فريد لمريني إن الترجمة فعل مشاركة، وتحويل، مثل “التحوّل في ممارستنا من التحليل إلى التشافي”.

ويدافع لمريني عن تحليل نفسي غير غريب عن ثقافته، رغم تشكّله الأوروبي، وغير بعيد عن هموم المستفيدين منه، وذكر بعد ذلك أن الترجمة تقع “في قلب سؤال إعادة تشكيل التحليل النفسي”، نظرا لخصوصية الجانب اللساني، وتلقي لغات استقبال الكتابات الأولى لعلم النفس التي كانت مثل تلك المصطلحات غريبة عنها.

عالم النفس المصري الراحل مصطفى صفوان نبّه إلى صعوبة أخرى، وفق المتحدث، هي: “هل يمكن الترجمة إلى عربية الكتابة أم عربية الشفاهة؟”.

وناقش لمريني اللاوعي بوصفه نصا، يعمل التحليل النفسي على فكّ شفراته، مثل “المكتاب” أو “المكتوب” الذي ينصاع الإنسان له وهو سابق على كينونته.

ومن فرويد إلى لاكان تحدث الطبيب النفسي عن “الحلم ودلالاته، والقطيعة مع الحلم، ورسائل اللاوعي بوصفها تعبيرا ذاتيا، وترابطات الحالِم التي تتطلّب قراءة مثل قراءة الهيروغليفية، والتحليل النفسي للاوعي الذي ليس مثل استكشاف قارة مجهولة، بل ينبغي فهمه بوصفه عملا لسانيا يقدّم قراءة في كل موضوع، فيمرّ من المكتوب إلى قارئ خطابِ اللاوعي”.

المحلل الذي اشتغل مع عالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي تحدث عن سؤالها إياه “كيف نقرأ الزرابي؟”، وفي هذه الحالة زرابي تازناخت، ما فاجأه؛ وأردف باسطا تصورها للزرابي: “نص حول الأنوثة، بأحرف سرية، تترجم أيضا في الوشوم والحِليّ (…) يمر من أم إلى ابنتها عبر مكتوب، عبر ناسجات (…) وقد تخبر بزربية تازناخت مثلا البنتُ أمّها عن حالها وهي بعيدة عند الأنساب، وتَفهمُها”، وزاد: “هذه نصوص سرية بين أم وابنتها، وهي فهومات للزربية كنص قابل للقراءة دفعت المرنيسي إلى حمل هم خلق مقهى حواري تحكي فيه الناسجة زربيتها (زربية الحلم)، والزرابي تحيطها معروضة على الحيطان”.

ولتفسير معنى “المكتوب” عاد المحاضر إلى أول أمر في الإسلام: “اقرأ”، بقطيعة نقلت من الوثنية إلى الكتابة والقراءة، ومن الجاهلية إلى المعرفة، في زمن هيمنت فيه الشّفاهة، مع اختلاف معاني “اقرأ” عبر الأزمنة وقارئيها. وركّز المتحدث في هذا الإطار على رؤية ابن عربي، مع استحضار رؤى ابن رشد وأعلام آخرين، كما تطرّق إلى كون الإنسان كائنا متحدّثا حتى قبل تعلم الحديث؛ “وهناك من الأطفال من يرفض الأكل حتى يسمع أمر أمه”، وتنقّل بين معان أخرى من بينها كون القرابة لا تكون بالدم فقط، بل قد تكون بالطعام؛ الحليب، الذي تتحقّق به الأخوة، وتوقف لدى خلق القلم المرافق لخلق الكون في الإسلام؛ بوصفه ممثلا لفعل الكتابة.

كما اهتم أحمد فريد لمريني بعمل روائي لنجوى بركات حول زاوية صوفية تحمي معجما سريا للمعاني السرية للكلمات، ومكتوبِ الكون، وفيه قصة في الحلم لكلمات مقطعة، غير بعيدة عن مقاربة عالم النفس جاك لاكان للنص اللاشعوري الذي يُقرأ.

وفي معرض حديثه عن الأحرف المقطّعة في القرآن أشار المحاضر إلى علم الحروف، ومن بين الأفكار التي طرحها رؤية ابن عربي للفرق بين الظاهر والباطن، فالظاهر وهم، وعبر نزع التشفير نفهم حقيقة العالم: الباطن.

ومن بين ما دافعت عنه المحاضرة أن الترجمة فعل للنقل المركب، يبرز فيه القارئ ليصير النصّ “مضاعفا”، وتظهر قراءة بطريقة أخرى في ظلّ ثقافة جديدة غير ثقافة النص الأول؛ وفي ظل مقاومة اللغة “يخلق نص جديد”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق