تزامنا مع تصاعد الأصوات الحقوقية والمدنية المُستعجلة لتعديل الظهير المتعلق بتعويض ضحايا حوادث السير في المغرب الصادر سنة 1984، “لهزالة” التعويضات التي يمنحها وإقصائه لأنواع عديدة من الأضرار اللاحقة بالضحايا من التعويض، كشف عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، أن تعديل هذا القانون سوف يتم ويصدر هذه السنة، بعدما توصلت الوزارة إلى تفاهمات مع شركات التأمين للرفع من قيمة التعويضات وإعادة النظر في طرق أسس احتسابها لمحدودي الدخل أساسا.
وزير العدل، الذي كان يتحدث في برنامج “نقطة إلى السطر”، الذي يُبث على قناة “الأولى”، قال إنه ووزيرة الاقتصاد والمالية والوزير المنتدب المكلف بالميزانية ناقشوا “الشقين المتكون منهما ظهير 1984؛ الخاص بالحسابات والحد الأدنى للتعويض، والشق القانوني”، كاشفا “التوصل إلى تفاهمات شركات التأمين، وتفاهمات مع المؤسسات المالية”.
وأشار عبد اللطيف وهبي إلى أنه حاليا سيحيل “الملف على الأمين العام للحكومة، لإحالته على المجلس الحكومي ثم البرلمان”، مشيرا إلى أنه “سيكون هناك رفع من التعويضات لفائدة الطبقة الدنيا والمتوسطة”، موضحا أن “العليا أساسا يعطيها ارتفاع دخلها مجموعة من المبالغ (المرتفعة)”.
وأكد أنه “بالنسبة لذوي الدخل المحدود تجب إعادة النظر في الأسس التي يتم بناء عليها تقديم هذه التعويضات”، خالصا إلى أن هذا المشروع سوف يخرج هذه السنة”، وفق تعبيره.
وعبّر وزير العدل، خلال مناقشات سابقة بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، عن رفضه للتعويضات التي تقدم لضحايا حوادث السير بالاستناد للقانون سالف الذكر، مبرزا أن “استمرار العمل بظهير 1984، والتعويض عن الوفاة بـ20 ألف درهم غير مقبول”.
“خطوة مدعومة”
معلقا على الموضوع، قال مصطفى الحاجي، رئيس الهيئة المغربية لجمعيات السلامة الطرقية، إن “الهيئة لا يمكنها إلا أن تدعم هذه الخطوة القانونية الرامية إلى الزيادة في تعويض ضحايا حوادث السير؛ نظرا لأن ما تُقدمه شركات التأمين حاليا من تعويضات لا ينصف الضحايا ولا يقدم إجابة مالية واضحة عن حجم الضرر الذي يلحقهم”، مشددا على أن “إنصاف القانون للضحايا لا يقتضي مع ذلك، الزيادة في التعويضات فقط”.
وأوضح الحاجي، في تصريح لهسبريس، أن “التعويض بموجب القانون يجب أن يذهب لكل ضحية حادثة سير حتى ما إذا كان ارتكب خطأ أو خرق قواعد السير ‘بجهله’ للقانون أو بسهوه؛ لأنه بشر ويبقى ضحية في نهاية المطاف”، بتعبيره، مبرزا “وجوب إعادة النظر في اعتماد الحد الأدنى للأجور لاحتساب قيمة التعويض الممنوح للضحايا؛ إذ يجب الاقتصار فقط على معيار حجم الضرر”.
كما شدد الهيئة المغربية لجمعيات السلامة الطرقية، وفقا للحاجي، على أهمية “التشدد مع شركات التأمين التي تخالف القانون بتملصها من مسؤوليتها وتماطلها في التعويض”، مستنكرا “مطالبة بعض الشركات للضحية بجمع الوثائق اللازمة من شهادة طبية وغيره، في الوقت الذي هو فيه أساسا عاجز وفي وضعية صحية تصعب عليه التنقل لإنجازها”.
واستحضر الحاجي أن “الضحية خلال فترة علاجه يحتاج مصاريف باهظة، ولا يكون قادرا دائما على تأديتها خصوصا إذا كان محدود أو متوسط الدخل وأسرته معدومة أو تنتمي إلى الطبقة المتوسطة”، مشيرا إلى أن “شركات التأمين يجب ألا تنتظر حتى يصح هذا المريض لكي يتقدم لها بالوثائق اللازمة حتى تصرف له التعويض”.
وأضاف الحاجي: “يجب أن تتكلف هذه الشركات بتلك المصاريف فور وقوع الحادثة، على أساس أن تسترد ما أنفقت بعد صدور الحكم، وتسرع بصرف التعويض المقرر لفائدته”، مفيدا بأنها “يجب أن تلتزم بأداء مصاريف العلاج والأدوية والمعدات التقنية والطبية، مثلما تفعل شركات التأمين الأوروبية، طبقا لقوانين دولها”.
“التقنين والتوجيه”
واتفق إلياس سليب، رئيس المرصد الوطني للسلامة الطرقية، مع أن “تعديل ظهير قانون 1984 ملح وضروري؛ فحين النظر إلى التعويضات التي يتلقاها من صندوق التعويض عن حوادث السير من كانوا ضحية للدهس أو الصدم بمركبة لا تتوفر على التأمين أوفرت على سبيل المثال، نجد أنها لم تعد تسمن ولا تغني من جوع، بعدما ظلت قيمتها هي هي منذ 40 عاما”.
وأورد سليب، في تصريح لهسبريس، أنه “كما صرح وزير العدل سابقا؛ من غير المعقول أن يفقد شخص ما حياته إثر حادثة سير، فَيصرف لأسرته تعويض بقيمة 20 ألف درهم، هذا المبلغ الهزيل”، مردفا أنه “إلى ذلك نجد أن ظهير 1984 يعوض عن الإصابات بجروح أو كسور أو الوفاة، ويستثني الأضرار النفسية التي هي أخطر أحيانا من الإصابات الجسمانية”.
وتابع رئيس المرصد الوطني للسلامة الطرقية أنه “في بعض الحالات تكون هناك امرأة حامل تفقد جنينها، وتتعرض فيما بعد لمضاعفات تُجهض فرصها في الحمل مرة أخرة، فلا تتلقى تعويضا عن هذا الضرر، وكذلك الشأن بالنسبة لمن يصاب بمرض مزمن”.
وأشار المتحدث ذاته إلى “ضعف عدد من يتم تعويضهم مقارنة بعدد حوادث السير التي تقع”، مرجعا ذلك إلى “أن ضحايا كثيرين لا يعلمون بوجود صندوق لتعويض ضحايا حوادث السير؛ ما يجعلهم يتكلفون بمصاريف العلاج والتطبيب من جيوبهم”، مبرزا أن المستشفيات يتعين عليها أن تقوم بتوجيه ضحايا المركبات الفارة الذين يفدون عليها وإعلامهم المساطر التي يجب أن يسلكوها للاستفادة من التعويض”.
وشدد رئيس المرصد الوطني للسلامة الطرقية على ضرورة “إلزام الدولة لشركات التأمين على الزيادة من قيمة التعويضات، إذ نجد أنها تصرف تعويضات متدنية مقابل زيادتها في مبالغ تأمين المركبات”.