سلّطت ورقة بحثية نُشرت حديثًا على الموقع الإلكتروني للمركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات الضوء على مسألة التسلح في المنطقة المغاربية، في ظل التنافس الدفاعي بين المغرب والجزائر، معتبرة أن ارتفاع وتيرة تسلح هذين البلدين حديث نسبيًا، وقد بلغ مستويات جعلت من المنطقة المغاربية واحدة من أكثر المناطق تسلحًا في العالم؛ كما أشارت إلى أن أربع دول مغاربية (المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا) استحوذت على حوالي 50% من الإنفاق العسكري الإفريقي لعام 2021.
وفي محاولة لفهم محددات وتطورات وتداعيات السباق المغربي-الجزائري نحو التسلح سجّلت الدراسة، التي كتبها عبد النور بن عنتر، أستاذ مشارك بأكاديمية جوعان بن جاسم للدراسات الدفاعية في قطر، أن “ثمة استقلالية لدينامية هذا التسلح عن التوترات السياسية البينية، عكس ما يُعتقد”، لكنها لم تستبعد حدوث مواجهة عسكرية، حتى وإن كانت محدودة (اشتباكات حدودية)، بين الجزائر والمغرب، بسبب تفاعل مجموعة من العوامل الطارئة والبنيوية.
وشددت الورقة على أن “المنطقة المغاربية بحاجة إلى مراجعة أنماطها الأمنية السائدة تجنبًا لحرب غير مرغوب فيها؛ وهذا يتطلب البحث في العوامل البنيوية وتفاعلها مع العوامل الطارئة لتفادي مواجهة مسلحة بين القوتين الإقليميتين”، مضيفة: “إذا كان تسلح الجزائر والمغرب يعود إلى التنافس على الزعامة، ومدركات التهديد، والشواغل الأمنية الإقليمية، فإن الكوابح التي تحول دون تورطهما في صراع مسلح بدأت تتآكل، ما ينذر بمخاطر مواجهة بين البلدين”.
على صعيد آخر أشار كاتب الورقة إلى أن “الإنفاق الدفاعي للجزائر بقي محدودًا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، إذ تأخر هذا البلد في مجال التسلح لمدة ثلاثة عقود”، مردفا: “لكن في مطلع الألفية الثالثة تبنت الجزائر سياسة تسلح مستمرة بنفقات مرتفعة، بفضل عائدات النفط والغاز”، وموضحا أن “برامج التسلح الجزائرية ستستمر”، مستشهدًا بتصريح للرئيس الجزائري في هذا الصدد.
وبيّن الباحث ذاته أن “الحرب في أوكرانيا تشكل عاملًا طارئًا ذا أبعاد دولية يؤثر على تسلح الجزائر، لاعتمادها شبه الكامل على روسيا”، مؤكدا أن “هذه الحرب تمثل معضلة إستراتيجية بالنسبة للدولة الجزائرية، فهي عاجزة عن الابتعاد عن روسيا، مزودها التقليدي بالأسلحة، ولا تستطيع تجاهل الضغوط الغربية؛ فإن استمرت في تعزيز تعاونها العسكري مع روسيا قد تواجه عقوبات غربية، خاصة إذا طال أمد الحرب في أوكرانيا، وإن ابتعدت عن روسيا ستضع قدراتها العسكرية على المحك”.
وفي السياق ذاته أشارت الورقة البحثية ذاتها إلى “انخفاض تدفق الأسلحة الروسية إلى الجزائر، دون تعويضها بمصادر أخرى”، وأكدت أنه “من المستبعد أن تحصل الجزائر على ضمانات غربية بتزويدها بأسلحة متطورة”، متابعة بأن “عجز روسيا عن حسم الحرب يدفعها إلى إعطاء الأولوية لتلبية حاجات قواتها المسلحة، ما سيؤثر على برامج التسلح الجزائرية من حيث تأخر تسليم الأسلحة المتفق عليها”.
أما بالنسبة للمغرب فأوضح المصدر أن “المملكة تسعى منذ الستينيات إلى تحديث قواتها المسلحة وإعادة هيكلتها بمساعدة البنتاغون”، مشيرا إلى أن “الولايات المتحدة الأمريكية قررت مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تعزيز الروابط الأمنية الثنائية، وتحديد حاجات المغرب العسكرية، وتطوير التعاون العسكري، بما في ذلك رفع وتيرة التدريبات المشتركة”.
كما أشار البحث ذاته إلى أن “المغرب يركز في السنوات الأخيرة على امتلاك أسلحة نوعية متقدمة، بالتعاون مع واشنطن التي وقّع معها اتفاقية إستراتيجية سارية المفعول حتى عام 2030″، وأضاف أن “المغرب يوسّع مصادر تسليحه بشكل متزايد، معززًا قدراته البرية والبحرية والجوية، ومجال الحرب الإلكترونية أيضًا”، معتبرا أن “تسلح المغرب شهد تطورًا ملحوظًا منذ تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتوقيع اتفاقيتين عسكريتين معها، إذ يهدف هذا البلد إلى تطوير صناعة محلية لتعزيز استقلاليته التدريجية في مجال الأسلحة”.
وفي إطار لعبة موازين القوى أكدت الوثيقة أن “المغرب يعمل على موازنة الجزائر من خلال مجاراتها في مجال التسلح (موازنة داخلية)، ومن خلال توطيد شبكة تحالفاته الخارجية، خصوصًا مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل (موازنة خارجية)؛ أما الجزائر فتتمسك بالموازنة الداخلية وترفض التحالفات الخارجية، متمسكة باستقلالية أمنية بعيدة عن المظلات الخارجية”.