ضوابطه والمسؤولية عنه
تطرح المظاهرات التي ينظمها ما بات يُعرف بجيل Z، بالإضافة إلى الأسئلة الاجتماعية، أسئلة قانونية عن مدى قانونية الدعوات إلى المظاهرات ومختلف أشكال التجمع السلمي، وضوابط ممارسة الحق، والمسؤولية القانونية الناتجة عنه.
بدايةً، يجدر التأكيد على أن الدستور المغربي لسنة 2011 يُعتبر متقدماً جداً، لدرجة تخصيصه باباً خاصاً بالحقوق والحريات. وهكذا، بعدما أقر الفصلان 25 و 27 منه “الحق في حرية التعبير بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة”، أكد الفصل 28 على أن “حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، … مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات.”
وفي نفس الإطار، أكدت المواثيق الدولية على نفس الحقوق – المادتين 18 و 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادتين 18 و 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكذا المادة 21 التي نصت صراحة على أن “يكون الحق في التجمع السلمي معترفاً به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تُفرض طبقاً للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.”
وإذا كانت المواثيق الدولية ومعه الدستور المغربي أكدت على دستورية الحق في التجمع السلمي، فإنها أحالت بشأن تنظيمه وممارسته إلى مجال القانون، بشرط أن تكون التدابير ضرورية وشرعية وتصون النظام العام وحقوق الإنسان وقواعد المجتمع الديمقراطي، لكون السلطات العمومية ملزمة دستورياً بحماية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع، وعدم المساس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة، وفق الفصلين 21 و 22 من الدستور.
وفي هذا الإطار، ومادام أن حق التجمع السلمي مضمون من حيث المبدأ، فلا يعني أنه مسموح به بالمطلق ودون إجراءات أو مساطر، بل على العكس فإنه محمي ومحاط بسياج من الضمانات لتحقيق فاعليته أولاً، وفاعلية حماية النظام العام وحقوق وحريات الآخرين ثانياً. ومن هذا المنطلق، يخضع تنظيم المظاهرات ومختلف أشكال التجمع السلمي لمجرد تصريح للسلطات العمومية وليس ترخيصاً، والفرق بين النظامين كبير جداً، لأن أسلوب التصريح يحمل مفهوماً مرناً ومبسطاً ويعكس أهمية الحق الدستوري في كونه مضموناً ومصوناً؛ لذلك يشترط فيه تقديم مجرد تصريح ولا يحتاج الأمر بتاتاً لأي ترخيص يحمل معنى الموافقة.
وهكذا، فظهير التجمعات العمومية رقم 1.58.37 الصادر بتاريخ 27 نونبر 1958، كما تم تعديله وتغييره، ينص في فصله 11 على أنه “تخضع لوجوب تصريح سابق المواكب والاستعراضات وبصفة عامة جميع المظاهرات بالطرق العمومية. ولا يسمح بتنظيم المظاهرات بالطرق العمومية إلا للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والهيئات المهنية والجمعيات المصرح بها بصفة قانونية، والتي قدمت لهذا الغرض تصريحاً سابقاً.”
وحدد القانون أن التصريح يُسلَّم للسلطة الإدارية المحلية في ظرف 3 أيام كاملة قبل المظاهرة و15 يوماً كاملة على الأقل، وتسلم السلطة في الحال وصلاً مختوماً بإيداع التصريح. وإذا لم يتمكن المصرحون من الحصول على الوصل، فإن التصريح يُوجَّه إلى السلطة المحلية في رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل.
ويتضمن التصريح الأسماء الشخصية والعائلية للمنظمين وجنسيتهم وحل سكناهم وكذا أرقام بطائقهم الوطنية، ويُوقَّع عليه ثلاثة أفراد منهم يكون محل سكناهم في العمالة أو الإقليم الذي تجري فيه المظاهرة. ويُبيَّن في التصريح الغاية من هذه المظاهرة والمكان والتاريخ والساعة لتجمع الهيئات المدعوة للمشاركة فيها، وكذا الطرق المنوي المرور منها.
وإذا تبين للسلطة المحلية أن من شأن المظاهرة المزمع القيام بها تهدد الأمن العام، فإنها تمنعها بقرار مكتوب يُبلَّغ إلى الموقعين على التصريح بمحل سكناهم.
ويعاقب القانون بالحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر، وبغرامة تتراوح بين 1.200 و5.000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط:
الأشخاص الذين يقدمون تصريحاً غير صحيح بشأن البيانات المذكورة، أو الذين وجهوا استدعاءات للمشاركة في مظاهرة تم منعها.
المساهمين في تنظيم مظاهرة غير مصرح بها أو وقع منعها.
كما يعاقب القانون بالحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر، وبغرامة تتراوح بين 2000 و8.000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من يوجد في إحدى المظاهرات حاملاً لسلاح.
ولا يستفيد المخالفون من الظروف المخففة للعقوبة.
وهكذا يتبين أن المشرع المغربي وازن بين الحق في ممارسة الحق وضرورات مراعاة النظام العام، وحمَّل المسؤولين عن الدعوة إلى المظاهرات والمساهمين مسؤولية عدم تقديم تصريح أو تقديم تصريح غير صحيح أو تنظيم مظاهرة تم منعها، وعاقب على ذلك بعقوبات جنائية لردع المخالفين لحماية الأمن العام وحقوق الإنسان؛ لأن الضوابط الشكلية والموضوعية لممارسة الحق الهدف منها هنا هو حماية الشرعية والأمن العام وحقوق المواطنين، وأيضاً حقوق وحريات المشاركين في المظاهرات.
ويستخلص من ذلك أن المظاهرات لا يمكن أن تنظم إلا من خلال هيئات منظمة أو جمعيات مؤسسة بصفة قانونية، وبالتالي لا يمكن لأفراد أو مجموعات أو تنسيقيات الدعوة إليها أو تنظيمها تحت طائلة تحملهم المسؤولية الجنائية عنها وعما يترتب عنها من أعمال عنف أو اعتداءات أو نهب أو سرقة وغير ذلك من الجرائم الناتجة عنها.
كما أن تنظيم المظاهرة يخضع لمسطرة تصريح قانونية، يعتبر عدم سلوكها بمثابة جريمة معاقب عليها، ويتحمل فاعلوها ومنظميها والمشاركون فيها المسؤولية الجنائية.
وبالتالي، فليس الاحتجاج السلمي فعلاً اعتباطياً وخروجاً مشرعاً للشارع، وعملاً فوضوياً دون ضوابط، وإنما فعل منظم يخضع للدستور والقانون؛ لأنه على جميع المواطنات والمواطنين احترام الدستور والتقيد بالقانون. ويتعين عليهم ممارسة الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة، التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات، وفقاً للفصل 37 من الدستور.
والقانون، وفقاً للفصل السادس من الدستور، هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصاً ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له.
ومما لا شك فيه، فإن حضارية المطالبة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال المظاهرات كفعل مدني سلمي وحقوقي من طرف أي جهة، أساسها ومنطلقها احترام قانون التظاهر والتجمع السلمي؛ لأن أي مطالب، مهما كانت عادلة ومشروعة، لا تستند إلى القانون ولا تُمارس بشفافية وبوجه مكشوف وبتصريح واضح، تكون آثارها وخيمة والمسؤولية الجنائية عنها جسيمة؛ لأن أي عنف أو سرقة وكل جريمة أخرى يتحملها المنظمون والمساهمون والمشاركون، مهما بلغت حسن نواياهم، لأن الجرائم هنا شكلية وتتحقق بمجرد المخالفة.
0 تعليق