فجّرت انبعاثات الغاز المسال قضية مناخية جديدة خاصة في أوروبا، في ظل تزايد واردات القارة العجوز من هذا الوقود، لتعويض غياب تدفقات الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب.
ورغم توقيع عدد من الدول الأوروبية اتفاقيات توريد طويلة الأجل، فإن تقريرًا حديثًا صادرًا عن هيئة تابعة للاتحاد وجّه اتهامات غير مباشرة لـ3 دول عربية وأفريقية، بشأن إطلاق صادراتها من الغاز المسال معدل انبعاثات يقارب مصادر الوقود الأحفوري وزيت الوقود الثقيل.
وبحسب تحديثات مشروعات قوانين البيئة والمناخ التي تتابعها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تتزامن هذه الاتهامات مع الاستعداد الأوروبي لتطبيق قانون ينظّم استعمال التقنيات النظيفة في قطاع الشحن البحري وتسيير السفن.
ومن شأن هذا القانون أن يعزز استعمال الغاز المسال وقودًا لتزويد السفن، ما يُظهر تضاربًا بين الطلب والاعتبارات البيئية بعد كشف حجم انبعاثات كبير.
واردات أوروبا من الغاز المسال
تعتمد واردات أوروبا من الغاز المسال على مصادر عدّة، في إطار تقليص الاعتماد على واردات الطاقة الروسية ضمن عقوبات ما بعد اندلاع الحرب الأوكرانية.
ومن بين أبرز مصدّري الغاز المسال إلى القارة العجوز: قطر والجزائر ونيجيريا، ضمن حزمة مورّدين تشمل أميركا وروسيا أيضًا.
وبالنظر إلى أحجام صادرات هذه الدول إلى أوروبا، نجد أنها في مراكز متقدمة ضمن أكبر 10 مصدّرين إلى سوق القارة العجوز في الربع الثالث، ما يشير إلى الاعتماد عليها الآخذ بالارتفاع.
ووفق بيانات، حلّت الجزائر وقطر ونيجيريا في المراكز: الثالث والرابع والسادس على الترتيب، خلال الربع الثالث من العام الجاري 2024، حسب تقرير "مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في الربع الثالث من 2024" الذي تصدره دوريًا وحدة أبحاث منصة الطاقة.
وتعدّ الشحنات من هذه الوجهات إلى دول الاتحاد الأوروبي محمّلة بالانبعاثات والملوثات، بدءًا من موقع استخراج الغاز الطبيعي في أصول المنبع، مرورًا بنقله وتسييله وتصديره.
وكشف تقرير صادر عن شركاء أبحاث الطاقة والبيئة لصالح هيئة النقل والطاقة (T&E) التابعة للاتحاد، أن واردات الغاز المسال من هذه الدول تعادل في تلوّثها مقدارًا مماثلًا لانبعاثات زيت الوقود الثقيل، الذي تسعى الشركات لتجنُّبه.
حقيقة انبعاثات الجزائر
لم يكن الاتهام الأوروبي الموجّه للدول العربية والأفريقية في تقرير "تي & إي" الصادر حديثًا الأول من نوعه، إذ لم تمنع اتفاقيات التوريد طويلة الأجل من إطلاق الاتهامات بين الحين والآخر وتحميل مورّدي هذه الدول مسؤولية نمو معدل الانبعاثات.
وسبق أن انتقد تقرير صادر عن منظمة غرينبيس العالمية المناهضة للوقود الأحفوري حجم انبعاثات الميثان الصادر من الجزائر، خاصة على مدار 40 عامًا من أكبر حقول الغاز بها "حقل حاسي الرمل"، بما قُدِّر آنذاك بـ"ثالث" أعلى معدل عالمي.
وسادت مخاوف -وقت صدور التقرير- من تسبُّب تقرير "غرينبيس" في تصاعد الضغط تجاه الهيئات القانونية للاتحاد الأوروبي، لفرض ضوابط مشددة على تسرب غاز الميثان، سواء من دول الاتحاد أو الدول المصدّرة له، ومن بينها الجزائر.
ومقابل ذلك، شكّك معنيّون حينها في الغرض من توقيت صدور التقرير، وأحجام انبعاثات المُصدّرين الآخرين لدول الاتحاد، وأبرزهم تركمانستان، التي كانت مرشحة بقوة لزيادة شحنات الغاز المسال إلى أوروبا، وفق معالجة نشرتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) بالاستعانة بصور الأقمار الصناعية، في يونيو/حزيران 2022.
وبحلول نهاية الشهر ذاته، نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرًا حول ارتفاع معدل انبعاثات الميثان من مواقع عدّة على مستوى العالم، دون تحديد الجزائر وحدها.
هل الغاز المسال وقود شحن نظيف؟
بجانب نمو واردات أوروبا من الغاز المسال للاستعمالات المختلفة، تسعى دول الاتحاد إلى إفساح مجال أكبر له بصفته وقودًا لتسيير السفن وخفض انبعاثات صناعة الشحن البحري.
ومن المقرر أن يبدأ العمل بقانون الوقود البحري (فيول إي يو مارتايم Fuel EU Maritime) بحلول العام المقبل 2025، لزيادة نشر الوقود المتجدد ذي الانبعاثات الكربونية المنخفضة.
وبشكل خاص، يستهدف القانون تحديد سقف لمتوسط كثافة الكربون والغازات المسببة للاحتباس الحراري، خاصة للسفن كبيرة الحجم، بمعدل خفض 2% العام المقبل، ويصل إلى 80% بحلول منتصف القرن.
ورغم الأهداف الطموحة المعتزم تطبيقها، فإن تقديرات انبعاثات الغاز المسال الذي تستورده أوروبا تُشير إلى ارتفاعها بنسبة 30%، فوق المستوى المسموح له.
ويأتي هذا التقدير وفقًا لمعيار قياس انبعاثات يعادل 18.5 غرام لمكافئ ثاني أكسيد الكربون/ميغاجول.
ويُشير تقرير "تي & إي" إلى أن حساب انبعاثات المنبع لمورّدي الغاز المسال للاتحاد يأتي وفق معيار قياس قدره 24.4 غرامًا مكافئًا ثاني أكسيد الكربون/ميغاجول.
ومن شأن هذه الفجوة أن تتسبب في إطلاق السفن الكبيرة العاملة بوقود الغاز المسال انبعاثات تعادل 2731 طن سنويًا بصورة إضافية.
واستدعى ذلك دعوة الاتحاد الأوروبي والمنظمة البحرية الدولية إلى تحديث معايير حساب انبعاثات الغاز المسال، من المنبع حتى الوصول للمستهلك.
بديل غير مناسب
أكدت مسؤولة الشحن لدى "تي & إي"، إينيسا أوليتشينا، أن تقدير وإدراك انبعاثات الغاز المسال بريًا وبحريًا بالكامل قد يدفع الاتحاد الأوروبي والمنظمة البحرية إلى التوقف عن تشجيع الاعتماد عليه.
وأوضحت أن الغاز المسال -بوصفه مشتقًا من الوقود الأحفوري- لن يتحول إلى "وقود مستدام"، خاصة أن استخراج الميثان ونقله وحرقه لن يؤدي إلّا إلى هدر الاستثمارات.
وطرحت أوليتشينا بديلًا عن ذلك، إذ دعت للتركيز على إنتاج الوقود الأخضر ونشر استعماله، بدلًا من التركيز على التوسع ونشر وقود لا يسهم في خفض الانبعاثات.
وخلص التقرير إلى أن حساب ملوثات المنبع خلال تقدير انبعاثات واردات أوروبا من الغاز المسال يضيف 30% إلى النِّسب المقدرة مسبقًا، وفق موقع رينيو إيكونومي.
واستهدفَ عدد من كبريات شركات النفط والغاز الترويج إلى الغاز المسال بوصفه وقودًا بحريًا انتقاليًا، ويلائم محاولات تخلُّص صناعة الشحن من الكربون.
وفنّد التقرير عوامل تلوث الغاز المسال، من بينها: أن غاز الميثان الذي يتسرب من محركات السفن المسيرة بالغاز المسال يؤثّر سلبًا في المناخ، بالإضافة إلى عامل رئيس، هو "انبعاثات المنبع" خلال عملية الاستخراج، حتى المعالجة والتسييل والنقل.
ويتباين حجم انبعاثات الغاز المسال وفقًا لموقع استخراجه من الآبار وحتى مواقع التخزين وتزويد السفن به كونه وقودًا، إذ يضم أسطول الشحن البحري -حتى الآن- 1200 سفينة تعمل بالوقود الانتقالي، في حين تستعد 1000 سفينة أخرى للانضمام.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
- هل وقود الغاز المسال نظيف لتسيير السفن وخفض الانبعاثات، من تقرير تي & إي.
- انبعاثات واردات الغاز المسال والقانون الأوروبي المرتقب، من موقع رينيو إيكونومي.
- أبرز موردي الغاز المسال إلى أوروبا في الربع الثالث، تقرير فصلي لوحدة أبحاث منصة الطاقة.
0 تعليق