اقرأ في هذا المقال
- بًنيت أقدم محطة كهرباء في العالم في المملكة المتحدة عام 1882
- المحطة واجهت تحديات تتعلق بالأطر التنظيمية
- الكلفة الاستثمارية للمحطة غير معلومة
- ودّعت بريطانيا عصر توليد الكهرباء بالفحم أواخر سبتمبر الماضي
فتحت أقدم محطة كهرباء في العالم (محطة هولبورن فيادكت) الباب أمام بناء مزيد من محطات الطاقة العاملة بالفحم وتدشين عصر التسويق التجاري لتلك السلعة الإستراتيجية.
ومع ذلك مثّلت محطة هولبورن فيادكت (Holborn Viaduct) التي بُنيَت في منطقة هولبورن بالعاصمة البريطانية لندن في عام 1882، إخفاقًا ماليًا بكل المقاييس؛ لعدم نجاحها في تحقيق إيرادات تغطي تكاليف إنتاج الكهرباء آنذاك.
ويُعزى إخفاق أقدم محطة كهرباء في العالم إلى مجموعة من التحديات، بما في ذلك المحرك المستعمَل لمولدات الطاقة في المنشأة، الذي يُنتِج تيارًا كهربائيًا مستمرًا، ومن ثم فهو غير قادر على توزيع الكهرباء بكفاءة إلا لمسافة قصيرة، قياسًا بالتيار المتردد.
وعلى أثر هذا الفشل اضطر المخترع الأميركي توماس إديسون الذي بنى المحطة العاملة بالفحم إلى غلقها في عام 1886، أي بعد 4 أعوام فقط من افتتاحها، وفق متابعات تاريخية لمنصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
محطة هولبورن فيادكت
أدخلت محطة هولبورن فيادكت المملكة المتحدة حقبة جديدة في توليد الكهرباء، لتزداد معها الآمال في التوسع التجاري لإنتاج تلك السلعة التي يزداد الطلب عليها بمعدلات مطردة، وفق ما أورده موقع ليفينغ لندن هيستوري.
لكن على الرغم من الإبداعات التقنية المذهلة، واجهت المحطة التي تلامس سعتها 93 كيلوواط، تحديات عدة تتعلّق بالأطر التنظيمية، والمصالح التجارية القائمة والتشكيك العام في جدوى المشروع.
وطُورت محطة كهرباء هولبورن فيادكت -يُطلَق عليها كذلك محطة إديسون إلكتريك لايت (Edison Electric Light)- بوساطة شركة إديسون إلكتريك لايت في يناير/كانون الثاني (1882)، قبل أن تدخل حيز التشغيل في العام نفسه.
وكانت الكهرباء المولدة من المحطة تُخصص لإنارة الشوارع، بالإضافة إلى بعض العملاء التجاريين وعملاء القطاع الخاص؛ إذ أنارت تلك الكهرباء قرابة ألف مصباح متوهج قبل زيادة هذا العدد إلى 3 آلاف مصباح لاحقًا.
وبينما تظل الكُلفة الاستثمارية لبناء أقدم محطة كهرباء في العالم غير معروفة، فإن المشروع استلزم استثمارات ضخمة.
وإلى جانب الأسهم المملوكة لشركة إديسون إلكتريك لايت في المحطة، جمع إديسون الأموال من مصرف جيه بي مورغان الأميركي وعائلة فاندربيلت الأميركية الثرية لتمويل المشروع.
واختار إديسون أن يطوّر المحطة في المملكة المتحدة بدلًا من الولايات المتحدة الأميركية، نظرًا إلى أن لندن قد أتاحت بيئة حضرية آنذاك شهدت طلبًا مرتفعًا على الكهرباء لغرض الإضاءة مع تحويل مصابيح الشوارع العاملة بالغاز إلى مصابيح متوهجة.
وقد وفّر هذا التحويل موردًا ثابتًا للإيرادات التي وُجهَت للاستثمارات في مشروعات مشابهة لاحقًا، وفق معلومات اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
مشروع مبتكر
اتسم مشروع أكبر محطة كهرباء في العالم بالريادة من حيث استعماله محركًا بخاريًا من طراز بورتر ألين (Porter-Allen) بقوة 125 حصانًا لتوليد الكهرباء (ما يعادل نحو 93 كيلوواط).
غير أن مشروع محطة كهرباء هولبورن فيادكت كان رائدًا -كذلك- في نواحٍ عدة، أبرزها الموقع الفريد المبنيّ عليه، نظرًا إلى أن خطوط الربط الكهربائي كان من الممكن وضعها عبر سلاسل من القنوات المائية الصغيرة القائمة بالفعل.
لكن الأطر التنظيمية لمد خطوط الربط الكهربائي تحت الأرض لم تكن موجودة آنذاك، كما أن حفر الطرق لم يكن مسموحًا سوى لشركات الغاز في تلك الحقبة.
وأتاحت عملية مد خطوط الربط الكهربائي عبر القنوات المائية الصغيرة وسيلة للتلاعب بتلك التحديات التنظيمية، مع خفض تكلفة الأعمال المدنية.
وكان يتعيّن على إديسون ابتكار نظام قياس لتقدير استعمال الكهرباء من قبل العملاء؛ إذ فرض الرجل سعرًا ثابتًا على بعض العملاء، على أساس الاستعمال المقدر للكهرباء، وهو ما كان يُعدّ جيدًا نسبيًا لإضاءة الشوارع، ولكنه كان أقل بالنسبة للشركات والمستهلكين من القطاع الخاص.
وبناءً عليه، ابتكر إديسون مقياسًا كهربائيًا يحتوي على شريط نحاسي، الذي أصبح أثقل مع مرور الكهرباء عبر الخلية وترسب المزيد من النحاس.
وكان الشريط النحاسي يُوزن في بداية فترة الفاتورة ومرة أخرى في نهاية الفترة، وكان الفرق في الوزن يشير إلى كمية الكهرباء المستهلَكة.
وكان مشروع أقدم محطة كهرباء في العالم إبداعيًا من الناحية التجارية كذلك؛ إذ سبق أن جرى تطوير عدد صغير من الأنظمة الكهربائية لمعدات الطاقة في الأماكن الصناعية، غير أن تلك كانت المحاولة الأولى لتزويد الشوارع والمنازل والشركات بالكهرباء.
تحدّيات المشروع
واجه مشروع أقدم محطة كهرباء في العالم تحديات عديدة تدرّجت من العقبات التنظيمية إلى التشكيك العام في جدوى المشروع.
وقد أدّى عدم وجود سابقة قانونية لمد خطوط الربط الكهربائي إلى إطلاق العنان للابتكار واستعمال قنوات المياه الصغيرة القائمة، غير أن هذا يعني أن إمكانات السوق كانت محدودة للغاية، ولم يكن هناك إمكان لتوسيع نطاق المشروع بسبب تأجيره على ممتلكات تابعة للتاج البريطاني.
ولم يكن العملاء مقتنعين بالتقنية الجديدة، على الرغم من الحملات التسويقية البارزة التي أطلقتها شركة إديسون.
وواجه المشروع تحدّيًا آخر تمثّل في أن الكهرباء كانت باهظة الثمن في البداية نتيجة تدنّي كفاءتها، ولم تكن تتسم بالموثوقية أحيانًا، أو حتى كانت مريحة مثل الغاز.
شركات الغاز
كان لدى شركات الغاز أنظمة وبنية تحتية قائمة من الصعب تفكيكها، ولم يكن يروق للعملاء امتلاك عدادات مركبة في منازلهم، وكان من الصعب إقناعهم بالتحول من استعمال الغاز إلى الكهرباء.
ونظرًا إلى أن المحرك المستعمَل في المحطات كان يُنتِج تيارًا كهربائيًا مستمرًا، فإنه لا يستطيع توزيع الكهرباء بكفاءة إلا على مسافة قصيرة، مقارنةً بالتيار الكهربائي المتردد .
وقد مهّد هذا القيد السبيل لاندلاع حرب التيار المستمر مقابل التيار المتردد، التي وضعت أنظمة إديسون في مواجهة الأنظمة التي طورها نيكولاي تيسلا وجورج وستنغهاوس، وكان الانتصار النهائي لمعظم التطبيقات هو التيار المتردد.
كما أدت قيود التيار المستمر إلى تقييد إمكان التوسع في محطة توليد الكهرباء في هولبورن فيادكت.
وفي النهاية، لم ينجح مشروع أقدم محطة كهرباء في العالم في تحقيق إيرادات كافية لسد تكاليف تشغيله، ومثّلَ المشروع برمته إخفاقًا ماليًا بكل المقاييس.
وبناءً عليه، لم يستمر المشروع طويلًا واضطر القائمون عليه إلى غلقه بعد 4 سنوات فقط من تشغيله، أي في عام 1886، كي تعود معه المصابيح الكهربائية مجددًا إلى استعمال الغاز.
بارقة أمل
على الرغم من التحديات التي واجهتها أقدم محطة كهرباء في العالم، واصلت لندن كهربة مناطقها، مع افتتاح محطة طاقة أخرى بالتيار المتردد، وهي واحدة من أوائل محطات الكهرباء في العالم، في مدينة ديبتفورد في عام 1891.
وتبعت ديبتفورد مدن أخرى في المملكة المتحدة، مثل برايتون وبرمنغهام وليفربول وغلاسكو، وأدت التطورات التشريعية الكبرى التي شهدتها البلاد في أوائل تسعينيات القرن العشرين إلى تطوير الشبكة الوطنية، وعزّزت بريطانيا مكانتها رائدة في مجال الكهرباء.
وفي غضون عام من افتتاح محطة هولبورن فيادكت، أنجز إديسون -كذلك- بناء محطة الكهرباء العاملة بالفحم في بيرل ستريت (Pearl Street) في مدينة نيويورك الأميركية، وفق معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وحقّق هذا المشروع نجاحًا تجاريًا أفضل بكثير وكان أوسع نطاقًا، كما أنه مثّل نقطة تحول رئيسة في تسويق الشبكات الكهربائية، على الرغم من القيود المفروضة على أنظمة التيار المستمر.
وحقّق إديسون نجاحًا تجاريًا على المدى البعيد، وسرعان ما أصبحت شركته "إديسون إلكتريك لايت كومباني" ما بات يُعرف لاحقًا بشركة جنرال إلكتريك العملاقة المتخصصة في الطاقة والصناعة، ولم يطور الرجل أي مشروعات أخرى في المملكة المتحدة.
بريطانيا تودّع محطات الفحم
في 30 سبتمبر/أيلول الماضي ودّعت بريطانيا عصر توليد الكهرباء بالفحم، بعد غلقها آخر محطات الطاقة العاملة بهذا الوقود الأحفوري الحساس جدًا للبيئة، وفق معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وبإغلاق محطة "راتكليف أون سور" الواقعة بمدينة ميدلاند البريطانية أصبحت بريطانيا أول عضو بمجموعة الدول الـ7 الكبرى التي تتخذ تلك الخطوة الجريئة بعد اعتمادها على الفحم طوال الأعوام الـ140 الماضية.
وتستهدف تلك الخطوة دعم مستهدفات الحكومة للحد من الانبعاثات الكربونية خلال السنوات المقبلة، في إطار مساعٍ أوسع لتحقيق الحياد الكربوني.
وكانت بريطانيا قد أعلنت خططًا لغلق محطات الكهرباء العاملة بالفحم في عام 2015 ضمن إجراءات عديدة لتحقيق أهدافها المناخية.
ويوضح الفيديو أدناه جوانب من افتتاح أقدم محطة كهرباء في العالم:
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق