نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"الدول الفقيرة" في مرمى رسوم ترامب.. لماذا؟ - بلس 48, اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025 11:48 صباحاً
بعدما كانت تلك الدول تستفيد من تخفيضات جمركية لتعزيز صادراتها، وجدت نفسها أمام تعرفات مرتفعة حرمتها من ميزة النفاذ السلس إلى أكبر اقتصاد في العالم.
استهدفت هذه السياسة، بصورة غير متكافئة، الاقتصادات النامية مثل فيتنام وبنغلاديش وميانمار ولاوس، برسوم تجاوزت في بعض الحالات 40 بالمئة، بينما اكتفت واشنطن بفرض رسوم أقل على شركاء أقوياء مثل اليابان وكوريا الجنوبية ودول الاتحاد الأوروبي. في تباين يكشف مزيجاً من الاعتبارات الاقتصادية والحسابات السياسية التي تحكم قرارات إدارة ترامب.
فيما تُفضي هذه التوجهات إلى تعميق الفجوة بين الشمال والجنوب، إذ عجزت دول فقيرة عن مواجهة الرسوم المرتفعة أو فرض شروط مغايرة، في ظل افتقارها إلى القوة التفاوضية والتحالفات الاقتصادية. ومن ثم تتحول التجارة، بدلًا من أن تكون محركًا للتنمية، إلى أداة لتعزيز مصالح القوى الكبرى على حساب فرص النمو في العالم النامي.
الدول الفقيرة في مأزق!
وجهت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب الضربة الأشد على نفس الدول التي كان من المفترض أن تساعدها التجارة العالمية: الدول الفقيرة، بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" يشير إلى أنه "على مدى عقود من الزمن، منحت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغنية امتيازات تجارية خاصة للعديد من الدول الفقيرة، فخفضت التعرفات الجمركية وعززت القدرة على الوصول إلى الأسواق لتقديم يد المساعدة للدول الناشئة. ولكن هذا لم يكن نهج ترامب".
- في حين فرضت إدارة ترامب تعرفات جمركية تتراوح بين 10 و15 بالمئة على الواردات من العديد من أغنى دول العالم، مثل كوريا الجنوبية واليابان ودول الاتحاد الأوروبي، فقد فرضت رسوماً جمركية بنسبة 20 بالمئة أو أعلى على السلع من الدول النامية مثل فيتنام وبنغلاديش وجنوب أفريقيا والعراق.
- تعرضت اثنتان من أفقر دول آسيا، ميانمار ولاوس، لرسوم جمركية بنسبة 40 بالمئة، وهو ما قد يشكل ناقوس موت محتمل لصادراتهما من الولايات المتحدة، والتي تشمل سلعا مثل الأثاث والملابس.
- وقال ترامب يوم الأربعاء إنه سيرفع الرسوم الجمركية على الهند إلى 50 بالمئة، في ظل الخلاف بين واشنطن ونيودلهي بشأن استمرار واردات الهند من النفط الروسي.
- في عصر جديد من المفاوضات التجارية غير المباشرة، كانت هذه البلدان الأكثر فقراً هي الأقل نفوذاً على دولة بحجم الولايات المتحدة.
ويضيف التقرير: "لقد أدت الأجور المنخفضة إلى تحويل بعض هذه الدول، مثل بنغلاديش وفيتنام، إلى قوى تصنيعية، ولكن مواطنيها لا يستطيعون تحمل تكاليف المنتجات الأميركية باهظة الثمن، مما يعني أنهم غالبا ما يحققون نوعاً من الفوائض التجارية الكبيرة مع الولايات المتحدة والتي أثارت غضب ترامب".
وعلاوة على ذلك، طالب الرئيس ترامب شركاء التجارة بالاستثمار في الولايات المتحدة، ولكن قلة من البلدان النامية تمتلك القوة المالية الكافية لمضاهاة مئات المليارات من الدولارات التي تعهدت اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي بضخها في الاقتصاد الأميركي.
بينما نجت بعض الدول ذات الثقل الجيوسياسي أو الاقتصادي لدى الولايات المتحدة من أسوأ الرسوم الجمركية.
ونقل تقرير الصحيفة الأميركية عن رئيسة قسم السياسات التجارية في مؤسسة هينريش، وهي مؤسسة بحثية مقرها آسيا، ديبورا إلمز، قولها: "لقد ترك هذا الأمر الدول النامية تعاني من تعرفات جمركية مرتفعة للغاية. إنه تغيير كبير، لا سيما فيما يتعلق بمعاملة الدول الأقل نموًا".
الرسوم الأميركية
في تقدير استاذ العلاقات الدولية، الدكتور محمد عطيف، فإن التفاوت في الرسوم الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة على وارداتها من الدول الغنية مقارنة بالدول الفقيرة "ليس صدفة"، بل نتيجة مزيج معقد من الحسابات الاقتصادية والمصالح السياسية.
ويفسر ذلك خلال حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بقوله: "الدول الغنية غالبا ما ترتبط مع واشنطن باتفاقيات تجارة حرة تمنحها إعفاءات واسعة أو رسوما منخفضة، بينما تبقى معظم الدول الفقيرة خارج هذه الترتيبات، فتجد صادراتها، وخاصة في القطاعات الحساسة مثل المنسوجات والمنتجات الزراعية، مثقلة برسوم مرتفعة تهدف أساسا إلى حماية الصناعات الأميركية من المنافسة منخفضة التكلفة".
ويستطرد: "أعتقد بأن هذا الوضع يرتبط أيضاً بضعف القدرة التفاوضية للدول الفقيرة، التي تفتقر إلى النفوذ السياسي والاقتصادي لفرض شروط أفضل أو إبرام شراكات اقتصادية متكافئة مع الولايات المتحدة. وعلى عكس القوى الاقتصادية الكبرى التي تمتلك أوراق ضغط وتكتلات إقليمية تتيح لها انتزاع مزايا تفضيلية، تبقى هذه الدول النامية محكومة بالقواعد الجمركية العامة التي غالبا ما تكون أكثر تشددا وإقصاء".
ومن جانب آخر ، ينوه بأنه "لا يمكن تجاهل البعد السياسي في هذه المعادلة، إذ تميل واشنطن إلى منح مزايا جمركية أكبر لحلفائها الاستراتيجيين أو للدول التي تكتسب أهمية خاصة في أجندتها الدولية، بينما تُبقي الرسوم مرتفعة ضد دول محايدة أو متباعدة سياسيا معها".
هذا التوجه يتعزز أيضا بضغوط داخلية من لوبيات اقتصادية، وعلى رأسها المزارعون والنقابات الصناعية، التي تخشى تدفق الواردات الرخيصة على حساب حصتها في السوق المحلية.
ويعتبر عطيف أن النظام التجاري الدولي غير متكافئ، حيث تتحكم فيه القوى الكبرى وتُعيد عبره إنتاج فجوة اقتصادية متزايدة بين الشمال والجنوب. وبدلا من أن تكون التجارة أداة للتنمية والاندماج الاقتصادي، تتحول في مثل هذه السياسات إلى وسيلة لتعزيز مصالح الكبار على حساب فرص النمو في الدول الأقل نموا.
الدول الأكثر تضرراً
ويشير تقرير لشبكة "إن بي سي نيوز" إلى أن القائمة النهائية للرسوم الجمركية أثارت قدراً من الراحة لبعض الدول، ولكن أيضاً قدراً من الفزع ـ في كثير من الأحيان دون أي تفسير أو تفسير بسيط.
- فُرضت أشدّ ضرائب الاستيراد على سوريا (41 بالمئة)، ولاوس وميانمار (40 بالمئة)، وهي ثلاث دول فقيرة نسبيًا، ولها، في أحسن الأحوال، علاقات تجارية متواضعة مع واشنطن. كما وجدت العراق وصربيا (35 بالمئة) والجزائر (30 بالمئة) نفسها أيضاً تحت رحمة سلطة ترامب التنفيذية.
- تواجه البرازيل تعرفات جمركية منفصلة بنسبة 50 بالمئة كعقاب على ما يقول ترامب إنه "حملة شعواء" ضد رئيسها السابق وحليفه اليميني، جايير بولسونارو.
ونقلت الشبكة عن ديفيد هينيج، الخبير التجاري في المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي، وهو مركز أبحاث مقره بروكسل، إشارته إلى أنه "من الصعب معرفة ما إذا كان هناك أي منطق في تفسير سبب تضرر بعض البلدان بشدة بينما نجت بلدان أخرى".
وأضاف: "في غياب تفسير مفصل من البيت الأبيض فإن الحسابات كانت على الأرجح مبنية على الصيغة السابقة التي استخدمتها واشنطن والتي فرضت أكبر الرسوم الجمركية على الدول ذات الفوائض التجارية الأكبر".
عند إعلانه عن الرسوم الجمركية يوم الخميس، قال ترامب إن هذه الفوائض "تشكل تهديداً غير عادي واستثنائي للأمن القومي والاقتصاد في الولايات المتحدة".
الدول الغنية
وبشكل عام، يوضح خبير الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات، في حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن هناك عدة عوامل تدفع الدول الغنية إلى فرض رسوم جمركية مرتفعة على منتجات الدول الفقيرة، مشيراً إلى أن المبادلات التجارية بين الدول الغنية تتمتع بأهمية كبيرة، إذ يتم الاتفاق فيما بينها على فرض تعرفات جمركية منخفضة لتسهيل التبادل التجاري.
ويشير إلى أن الدول الفقيرة، وغالبها من الدول النامية، تمتلك مواد خام تحتاجها الدول الصناعية من أجل تصنيعها. وإذا ما فُرضت رسوم جمركية منخفضة على صادرات تلك الدول، فإن ذلك سيشجعها على تصنيع المواد الأولية محلياً وتصديرها كمنتجات مصنعة، ما يهدد سيطرة الدول الغنية على الأسواق. ولهذا، تُفرض رسوم جمركية مرتفعة على المنتجات المصنعة القادمة من الدول الفقيرة، ما يحد من قدرتها على تطوير صناعاتها.
ويضيف: اتفاقيات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والدول النامية، خاصة في المغرب العربي والشرق الأوسط، تتضمن ترتيبات خاصة بالمنتجات الزراعية، حيث تحدد مواسم التصدير برسوم منخفضة نسبياً في الفترات التي يقل فيها الإنتاج الزراعي الأوروبي، مثل السماح بتصدير الطماطم وبعض الخضروات في فصل الشتاء. أما في مواسم الوفرة الأوروبية، فتُفرض جمارك مرتفعة لحماية المنتج المحلي.
ويشير بركات إلى أن بعض الدول، مثل تونس والمغرب، واصلت بعد الاستقلال تصدير المواد الأساسية، مثل الفوسفات، إلى الدول التي كانت تستعمرها، بناءً على اتفاقيات بعضها ظل سرياً لسنوات. وهذه الترتيبات، برأيه، تجعل الدول النامية مرتبطة ومعتمدة على الدول الصناعية في مجالات عديدة.
كما يتطرق إلى ملف الصيد البحري، موضحاً أن الاتحاد الأوروبي أبرم اتفاقيات مع بعض الدول تسمح لسفن الصيد الأوروبية بالعمل في مياهها مقابل مبالغ لا تتناسب مع مصالح تلك الدول. وفي حال محاولة شركات محلية تصدير منتجاتها البحرية إلى أوروبا خارج إطار هذه الاتفاقيات، تُفرض رسوم جمركية مرتفعة للضغط على الحكومات لإبقاء التصدير محصوراً في القنوات الرسمية المتفق عليها.
0 تعليق