سوق النكاح العالمي - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سوق النكاح العالمي - بلس 48, اليوم الاثنين 4 أغسطس 2025 01:57 مساءً

حين تعج مواقع التواصل بصور خطبة فتاة على رجل سعودي في عمر والدها، وتتحول الزيجة المختلطة إلى ساحة جدل حول الفارق العمري والمادي، لا يكون المشهد مجرد قصة شخصية، بل عرضا أوليا لمسرحية اجتماعية مؤلمة. فصول هذه المسرحية لا تقتصر على صفقات الزواج غير المتكافئة، بل تمتد لتشمل فتاة قاصرا تعرض الزواج على يوتيوبر كوري سائح، لا لشيء إلا لأنه يمثل في نظرها وهما بالنجاح وتذكرة للهروب.

 هاتان الواقعتان، رغم اختلاف تفاصيلهما، هما وجهان لعملة واحدة: تحول الزواج في وعي شريحة من المجتمع من رباط إنساني إلى صفقة تبادلية، يتم فيها مقايضة الشباب والأمل إما بكفالة مالية من أجنبي ثري، أو بكفالة وهمية من شهرة رقمية عابرة. إنه منطق السوق البارد الذي اقتحم أقدس المؤسسات، مدفوعا بضغط الفقر وغياب الفرص، حيث يصبح العريس الأجنبي حلا سحريا لمستقبل غامض، دون أي اعتبار للمخاطر أو التبعات الإنسانية لهذه المقايضة.

وإذا كانت هذه الصفقات تمثل بيعا للمستقبل في سوق الزواج التقليدي، فإن موجة أخرى لا تقل خطورة تعرض حاضر العلاقة الزوجية وحميميتها للبيع في السوق الرقمي. هنا، لا تقتصر المأساة على البحث عن زوج، بل تمتد إلى ما بعد الزواج، حيث يحول زوجان غرفة نومهما طواعية إلى استوديو بث مباشر، وتتحول تفاصيل حياتهما اليومية، بما فيها من خلافات ولحظات خاصة، إلى محتوى رخيص يقتات على فضول المتابعين.

 إن نشر الغسيل لم يعد زلة لسان عابرة، بل أصبح استراتيجية ممنهجة ومصدر دخل، في سباق محموم على المشاهدات واللايكات التي أصبحت معيارا للنجاح الاجتماعي.

 وفي ذروة هذا الاستعراض، تظهر حفلات الطلاق كنموذج جديد، في إعلان صريح عن أولوية السعادة الفردية على قدسية الرباط الأسري. هذا الطقس المستورد لا يهدف فقط إلى نزع وصمة العار عن الطلاق، بل هو تمرد على فكرة الزواج كمشروع أبدي، وإعادة تعريفه كمجرد مرحلة أو صفقة تجارية يمكن إنهاؤها باحتفال.

 الخيط الرابط بين البحث عن زوج أجنبي بأي ثمن، وتحويل الحياة الزوجية إلى بث مباشر، هو ذاته: فراغ قيمي واقتصادي هائل، يدفع الأفراد إلى تعليق قيم الستر والخصوصية والكرامة، وبيع أغلى ما يملكون مقابل بريق زائف، سواء كان شيكا بنكيا أو عداد مشاهدات.

لا شك أن هذه الطفرة القيمية التي تحصد أخلاق الكبار قبل الصغار ليست سوى الضريبة الحتمية لسنوات من إهمال منظومتي التربية والتعليم، مقابل الهوس المطلق بتحقيق نجاح اقتصادي سريع والانفتاح الكلي على الخارج. إنه ثمن نموذج تنموي راهن على إرضاء السائح الأجنبي والمستثمر العابر، متجاهلا أن هذا النموذج الاقتصادي المتوحش ينهش بصمت في النسيج الاجتماعي والقيمي للمجتمع، ويترك وراءه أجيالا بأكملها ترى في بيع الذات أو حتى الوطن أقصر الطرق لتحقيق أحلام باتت مستحيلة داخل حدود منظومة اجتماعية لا تكف عن ولادة المفارقات والعجائب.

 

 

 

 

 

 

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق