تحول عالمي في الاحتياطيات النقدية.. ... - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تجاوزت حيازة البنوك المركزية العالمية من الذهب حيازة سندات الخزانة الأمريكية لأول مرة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود وتجاوز سعر المعدن النفيس 4000 دولار للأونصة لأول مرة في التاريخ في 10 أكتوبر، قبل أن يفقد أكثر من 6% من قيمته في الأسبوع الماضي بعد هدوء التوترات التجارية.

 وبلغ ارتفاع أسعار السبائك ذروته عند مستوى قياسي بلغ 4300 دولار للأونصة، قبل أن يشهد السوق أكبر انخفاض يومي له منذ أكثر من عشر سنوات في 21 أكتوبر، ورغم هذا التصحيح، يُعد الذهب أحد أقوى الأصول أداءً في عام 2025، حيث ارتفع بنحو 50% منذ بداية العام.

البنوك المركزية تلجأ إلى الذهب لمواجهة حالة عدم اليقين في السوق

وبحسب بيانات بلومبرج، شهد شهر أكتوبر ارتفاعا في حيازات صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب، والتي وصلت إلى أعلى مستوياتها في أكثر من ثلاث سنوات.

وظلت البنوك المركزية مشتريةً صافيةً للذهب لمدة 15 عامًا متتالية، لكن وتيرة شرائها ارتفعت تدريجيًا بعد غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022.

وقد جمّدت العقوبات الغربية جزءًا كبيرًا من احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية ردًا على ذلك، مما دفع البنوك المركزية الأخرى إلى تنويع استثماراتها بعيدًا عن الدولار الأمريكي وتوسيع احتياطياتها من الذهب.

وأفاد مجلس الذهب العالمي أن البنوك المركزية العالمية اشترت أكثر من ألف طن من السبائك الذهبية للعام الثالث على التوالي في عام 2024، وهو ما يمثل نحو خمس إجمالي الذهب المستخرج على الإطلاق.

بنك الشعب الصيني

زاد بنك الشعب الصيني (PBOC) احتياطياته من الذهب على مدار أحد عشر شهرًا متتالية حتى سبتمبر.

كما يسعى البنك المركزي الصيني إلى أن يصبح أمينًا على احتياطيات الذهب السيادية الأجنبية، وفقًا لما ذكرته بلومبرج .

وقال محللون: "تلعب الصين دورا رئيسيا في الارتفاع المستمر في أسعار الذهب بسبب عمليات الشراء التي يقوم بها البنك المركزي، وتجارة التحكيم، وزيادة الطلب المضاربي والآمن بين الأسر الصينية" .

ويتم تخزين معظم الذهب الرسمي في العالم بشكل تقليدي في خزائن بنك إنجلترا، والتي تحتوي حاليًا على أكثر من 5000 طن من إجمالي الذهب العالمي.

304.jpg
سعر الذهب بالدولار

توقعات مورجان ستانلي لأسعار الذهب

ورفعت شركة مورجان ستانلي للأبحاث مؤخرًا توقعاتها لسعر الذهب لعام ٢٠٢٦ إلى ٤٤٠٠ دولار للأونصة، مقارنةً بتقدير سابق بلغ ٣٣١٣ دولارًا. ويشير هذا التوقع الجديد إلى ارتفاع إضافي بنسبة ١٠٪ عن مستويات أوائل أكتوبر.

وقالت إيمي جوير، استراتيجية المعادن والسلع التعدينية في مورجان ستانلي: "نتوقع المزيد من الارتفاع في الذهب، مدفوعًا بانخفاض الدولار الأمريكي، وشراء قوي لصناديق الاستثمار المتداولة، واستمرار عمليات الشراء من قبل البنوك المركزية، وخلفية من عدم اليقين تدعم الطلب على هذا الأصل الآمن".

وللمعدن تاريخ طويل من الأداء الصاعد خلال فترات اضطراب السوق، متجاوزًا الحدود النفسية في كل أزمة كبرى على مدار العقدين الماضيين.

وتسارع سعره ليتجاوز 1000 دولار للأونصة خلال الأزمة المالية عام 2008، وبلغ 2000 دولار خلال جائحة كوفيد-19، ثم ارتفع إلى 3000 دولار بعد تصعيد الرئيس ترامب للرسوم الجمركية في يوم التحرير في أبريل من هذا العام.

الرسوم الجمركية والتضخم وأسعار الفائدة الفيدرالية تقلل من التفاؤل 

وفقًا لمجلس الذهب العالمي، أدت الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب إلى زيادة تكاليف الاستيراد وزيادة خطر ارتفاع أسعار المستهلك في الاقتصاد العالمي.

وقد أدى انتقاد الرئيس الأمريكي العلني للاحتياطي الفيدرالي، ودعواته المستمرة لتيسير قرارات أسعار الفائدة، إلى زعزعة الثقة في استقلال البنك المركزي.

يتوقع المستثمرون أن يواصل الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة هذا العام مع تزايد حالة عدم اليقين الاقتصادي وتاريخيًا، ارتفعت أسعار الذهب بنحو 6% في المتوسط ​​خلال شهرين من بدء دورة خفض أسعار الفائدة.

وقال خبراء: "مع كل هذه العوامل، ربما لا يكون من المفاجئ أن يحتل الذهب صدارة قائمة تفضيلاتنا بين السلع".

830.jpg
الدولار الأمريكي

تراجع قيمة الدولار

كان انخفاض قيمة الدولار الأمريكي عاملاً آخر وراء صعود الذهب، لأن السبائك تُسعّر بالدولار، وضعف العملة الأمريكية يجعل الذهب في متناول المستثمرين الأجانب.

وفي منتصف سبتمبر، انخفض الدولار إلى أدنى مستوى له في أكثر من ثلاث سنوات مقابل العملات العالمية الرئيسية.

لماذا تتجه البنوك المركزية نحو الذهب وتبتعد عن الدولار؟

في السنوات الأخيرة، يشهد العالم تحولًا استراتيجيًا في سياسات البنوك المركزية، إذ تتسارع وتيرة شراء الذهب على حساب الدولار الأمريكي، في إشارة واضحة إلى اهتزاز الثقة في العملة الأمريكية وتزايد الرغبة في تنويع الاحتياطيات النقدية.

وهذا الاتجاه، الذي كان في بدايته محصورًا في الاقتصادات الناشئة، بات اليوم ظاهرة عالمية تشمل دولًا متقدمة تسعى لحماية أصولها من التقلبات الجيوسياسية والمالية المتصاعدة.

وفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي، بلغت مشتريات البنوك المركزية من الذهب العام الماضي أعلى مستوياتها منذ أكثر من 50 عامًا، بقيادة الصين، وتركيا، والهند، ودول الشرق الأوسط، في وقت تراجع فيه نصيب الدولار من الاحتياطيات العالمية إلى أدنى مستوى له منذ ربع قرن.

وتأتي هذه الموجة مدفوعة بعوامل مركبة أبرزها ضعف الدولار أمام سلة العملات الرئيسية، وارتفاع الديون الأمريكية، والقلق من استخدام العملة الأمريكية كأداة ضغط سياسي واقتصادي في النزاعات الدولية.

يمثل الذهب في هذه المعادلة خيارًا استراتيجيًا بامتياز، فهو أصل مادي لا يرتبط بأي التزامات مالية أو مخاطر طرف ثالث، ما يجعله ملاذًا آمنًا في أوقات عدم اليقين.

كما أن قيمته لا تتآكل بالتضخم، ولا يمكن تجميده أو مصادرته بسهولة مثل الأصول الدولارية، ما يمنح الدول استقلالية مالية أكبر بعيدًا عن منظومة الهيمنة النقدية الأمريكية.

إعادة تشكيل الاحتياطيات

وتسعى العديد من الدول، خصوصًا في آسيا والشرق الأوسط، إلى إعادة تشكيل هيكل احتياطياتها بما يضمن حماية اقتصاداتها من تقلبات السوق الأمريكي، فالصين مثلًا، تواصل منذ سنوات زيادة حيازتها من الذهب كجزء من خطة طويلة المدى لتقليص الاعتماد على الدولار وتعزيز مكانة اليوان في التجارة الدولية. أما روسيا، فقد كانت من أوائل الدول التي لجأت إلى الذهب بشكل مكثف بعد العقوبات الغربية عليها، لتبني بذلك نموذجًا أصبح ملهمًا للعديد من الاقتصادات الأخرى.

83.jpg
احتياطي الذهب بالبنوك المركزية

ويرى خبراء الاقتصاد أن استمرار هذا التوجه يعني اقتراب العالم من نظام نقدي أكثر توازنًا وتعددية، حيث لم تعد الولايات المتحدة تحتكر النفوذ المالي العالمي كما في العقود السابقة ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية وتذبذب أسعار الفائدة، يبدو أن الذهب سيظل الأداة الأهم لحماية الثروات الوطنية واستقرار العملات المحلية.

وأكد محللون أنه لا يبدو أن هذا التحول مجرد موجة مؤقتة، بل هو إعادة تموضع استراتيجية في النظام المالي العالمي، تضع الذهب في قلب المشهد النقدي مجددًا، وتؤشر إلى عصر جديد تتراجع فيه سطوة الدولار تدريجيًا لصالح أصول أكثر أمانًا واستقلالية.

أخبار ذات صلة

0 تعليق