نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ما حكم الصلاة في الروضة الشريفة في أوقات الكراهة التي نص عليها الشرع؟.. الإفتاء تجيب - بلس 48, اليوم الأربعاء 16 يوليو 2025 05:52 مساءً
ورد إلى دار الإفتاء سؤال يقول صاحبه: ما حكم الصلاة في الروضة الشريفة في أوقات الكراهة التي نص عليها الشرع؟
وأجاب على السائل الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية السابق عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء قائلا: لا تُكرَه الصلاة في الروضة الشريفة في أوقات الكراهة، بل هي جائزة ولا حرج فيها؛ ولو لم يكن لها سبب؛ قياسًا على الحرم المكي.
أوقات الكراهة في الصلاة
تخضع العبادات في الشريعة الإسلامية لضوابط دقيقة تحفظ لها قدسيتها وتوقيتها، ومن ذلك الأوقات التي تُكره فيها الصلاة النافلة، وهي خمسة أوقات متفق عليها بين المذاهب الفقهية مع اختلاف في التفاصيل.
تبدأ هذه الأوقات بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس، وأثناء شروقها حتى ترتفع قَدْرَ رُمْحٍ، وعند استواء الشمس في كبد السماء حتى تزول، وبعد صلاة العصر حتى تغيب الشمس، وأثناء غروبها حتى يتكامل. يستند هذا الحكم إلى أحاديث صحيحة، منها ما رواه البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ".
الحرم المكي في طليعة هذه الاستثناءات
بيد أن الشريعة السمحة قد استثنت أماكن مباركة من هذا الحكم، تأكيدًا لخصوصيتها وقدسيتها. ويأتي الحرم المكي في طليعة هذه الاستثناءات، حيث أجمع فقهاء المذاهب على جواز الصلاة فيه في جميع الأوقات. يستند هذا التخصيص إلى الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داود والترمذي عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا يَطُوفُ بِهَذَا الْبَيْتِ وَيُصَلِّي أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ". وقد علّل الإمام الخطابي في "معالم السنن" هذا الاستثناء بقوله: "استدل به الشافعي على أن الصلاة جائزة بمكة في الأوقات المنهي فيها عن الصلاة في سائر البلدان".
الاستثناء يشمل الروضة الشريفة في المسجد النبوي
وعلى هذا الأساس الفقهي الرصين، ينتقل الاستثناء ليشمل الروضة الشريفة في المسجد النبوي، وهي البقعة المباركة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر: "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ" (رواه البخاري). فقد قاس الفقهاء - ولا سيما في المذهب الشافعي - الروضةَ على الحرم المكي، اعتمادًا على القاعدة الأصولية التي تجيز القياس في مواطن الرخص والتيسير. وقد أكّد شهاب الدين القرافي في "شرح تنقيح الفصول" أن "الرُّخَصَ تَجْرِي مَجْرَى الْعَزَائِمِ فِي جَوَازِ الْقِيَاسِ فِيهَا"، بينما بيّن فخر الدين الرازي في "المحصول" أن هذا القياس يقوم على علة مشتركة، وهي كون كلا الموقعين "بقعة مباركة" تتضاعف فيها الحسنات وتُرفع فيها الدرجات.
وتتجلّى حكمة هذا القياس في أوجه متعددة؛ فكما أن مكة تمتاز بكونها مهبط الوحي وأول بيت وُضع للناس {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عمران: 96]، فإن الروضة تتميز باتصالها المباشر بقبر النبي صلى الله عليه وسلم ومنبره الشريف. وقد قرر شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" هذه المساواة بقوله: "ولا تكره الصلاة في شيء من ذلك - أي أوقات الكراهة - بمكة وسائر الحرم... ولما فيه من زيادة فضل الصلاة، فلا تكره بحال". ويؤكد ابن رسلان في شرحه لسنن أبي داود أن هذا الحكم يشمل جميع أنواع الصلوات في الحرمين، سواء كانت مرتبطة بالطواف أو غيرها.
تكامل الأدلة النقلية والقياسية
وهكذا تتكامل الأدلة النقلية والقياسية لتؤسس حكمًا فقهيًا راسخًا، يجيز للمصلّي أن يتوجه إلى ربه في الروضة الشريفة في أي ساعة يشاء، دون حرج من دخول أوقات الكراهة. فهذه البقعة الطاهرة - التي يجتمع فيها فضل المسجد النبوي الذي تُضاعف الصلاة فيه إلى ألف صلاة، مع فضل الروضة التي هي روضة من رياض الجنة - تستحق هذا التخصيص الذي يعكس مرونة الشريعة وإدراكها لخصوصية الأماكن المقدسة. وفي هذا تتجلى حكمة الله تعالى في تشريعه، حيث يفتح أبواب الرحمة والتيسير في أماكن تجلّت فيها أنوار النبوة، فكانت خير شاهد على قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].
0 تعليق