بالبلدي: فنان على طائرة الرئيس - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

belbalady.net  عندما أرادت ألمانيا أن تعود للعالم فى ثوب جديد بعد الحرب العالمية الثانية، قررت أن تعود بمهرجان سينمائى عالمى هو مهرجان برلين، وعندما أراد رئيس ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير أن يزور مصر ليكون أول رئيس ألمانى يزور مصر بعد 25 عاما، اختار أن يكون من بين الوفد الفنى المصاحب ثلاثة فنانين من أصل مصرى، الموسيقار باسم درويش، ومغنية الأوبرا فاطمة سعيد، ومغنى البوب عادل الطويل.

وجود فنانين مع وفد الرئيس الرسمى وعلى طائرة الرئاسة، مع عودة بالتاريخ لقصة تأسيس مهرجان برلين يؤكد إيمان تلك الدولة صاحبة أقوى اقتصاد أوروبى بالفن، ودوره فى مد جسور الود والسلام مع العالم أجمع، تلك هى ألمانيا.

 أما عن باسم درويش هو فنان مصرى استطاع الحصول على جوائز عالمية داخل وخارج ألمانيا، موسيقاه تجمع بين الموسيقى المصرية، التى تعود جذورها إلى ٧ آلاف سنة، مع الفكر الموسيقى الغربى الذى يعتمد على ثراء الخطوط اللحنية وتعدد عائلات الآلات الموسيقية.

وجود باسم درويش ضمن الوفد الرسمى الألمانى بالتأكيد له حكاية ورواية، كما لو أنها فيلم سينمائى، لذلك قررت أن تكون تلك القصة بين أيديكم. 

البداية كان عدداً من الرسائل على البريد الإلكتروني «الإيميل»، ما يقرب من أربع رسائل، قادمة من سكرتارية الرئاسة الألمانية، وعندما شاهد باسم الرسائل، اعتقد أنها «هاكرز» يحاول السطو على بريده الإلكترونى، لأنه ليس له أى علاقة بالرئاسة هناك، وإذ بمكالمة تليفونية تأتيه على تليفونه الخاص من السفارة الألمانية بالقاهرة، مضمون المكالمة، أن هناك عدداً من الرسائل على بريدك لا بد من الرد عليها فورا، قرأ باسم الرسالة، ولم يصدق ما جاء بها، فهى دعوة رئاسية لكى يكون ضمن الوفد الرئاسى الألمانى الذى يزور مصر، بعد دقائق من إرسال الرد بالموافقة، جاءته رسائل بأن هناك رقماً تليفونياً يحاول الاتصال به، وبما أن باسم لديه خاصية فى التليفون تمنع وصول أى مكالمة من رقم مجهول، تكرر الاتصال من السفارة الألمانية بالقاهرة طالبة منه الرد على التليفون.

رد وجاءت المكالمة سريعة وناجزة، بضرورة التوجه إلى برلين، مع اصطحاب الشنطة، سافر إلى برلين، ومن هناك انضم للوفد المرافق، بعد ساعة من انطلاق الطائرة فى اتجاه مصر، جاءت سكرتارية الرئيس فرانك فالتر شتاينماير لتطلب من باسم والطويل وفاطمة سعيد، الاستعداد للقاء الرئيس الألمانى بمكتبه الخاص بالطائرة، وبالفعل جلسوا معه جلسة طويلة، تحدث خلالها مع باسم درويش عن مصر، وأنه آخر مرة زارها خلال عهد الرئيس محمد حسنى مبارك، وقتها كان يشغل منصب وزير الخارجية، وتحدث عن حضارة مصر ومكانتها الدولية. ثم تطرق الرئيس فرانك فالتر شتاينماير إلى موسيقى باسم درويش، وعشقه الشخصى لموسيقى الجاز.

حان بعد ذلك وقت هبوط الطائرة بمطار القاهرة الدولى، اصطف باسم مع الوفد الرسمى الألمانى عند الوصول لقصر الاتحادية، لتحية الرئيس عبدالفتاح السيسى.

باسم درويش عندما ذهب لألمانيا، كان هدفه تقديم فنه وموسيقاه المصرية، التى تعلمها من خلال عمله مع الريس متقال كعازف للعود فى الموالد الشعبية، ثم جولاته منفردا فى موالد المشايخ المنتشرة فى أقاليم مصر «الصعيد وبحرى»، لكنه لم يتخيل أنه فى يوم من الأيام يزور مصر مستقلاً طائرة الرئيس الألمانى.

والأهم أنه التقى أيضا فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى طالبه كمصرى بأن يكثف من تواجده فى مصر، تلك الكلمات التى كان لها مفعول السحر عنده.

خلال رحلته مع وفد الرئاسة الألمانى كان الفن حاضراً، حيث قدم حفلاً موسيقياً حضره الرئيس الألمانى بمقر السفارة بالقاهرة، أثنى خلالها الرئيس على مشوار باسم كفنان مصرى المانى. 

تلك كانت رحلة فنان على طائرة الرئيس.

< ماذا كتب باسم فى دفتر مذكراته عن تلك الرحلة؟. هذا ما توضحه الأسطر القادمة.

يسعدنى أن أشارككم مشاعرى المملوءة بالسعادة والفخر بعد مشاركتى ضمن الوفد الرسمى المرافق لفخامة الرئيس الاتحادى الألمانى فرانك فالتر شتاينماير فى زيارته التاريخية إلى مصر، والتى تُعد أول زيارة لرئيس ألمانى منذ 25 عامًا. هذه الزيارة هى محطة بارزة فى العلاقات الثنائية بين ألمانيا ومصر، حيث ضمت نخبة من الشخصيات السياسية والاقتصادية من الحكومة والبرلمان الألمانى، وممثلين عن الصناعة الألمانية وممثلين عن الصحافة والإعلام والفن، والثقافة بما يعكس الترابط التاريخى العميق بين البلدين.

كنا سبع شخصيات تمثل الترابط الثقافى بين ألمانيا ومصر تم اختيارنا لنكون ضيوفًا شخصيين على الرئيس شتاينماير فى رحلته، الدكتورة فريدريكا زايفريد مديرة متحف برلين، الكاتبة والصحافية الألمانية المرموقة من أصل مصرى أنابيل وهبة، نيافة الأنبا دميان الأسقف العام لشمال ألمانيا للأقباط الأرثوذكس، شريف رزق الله المذيع ومقدم البرامج بالتليفزيون الألمانى، السوبرانو فاطمة سعيد، والمغنى الألمانى ذو الأصول المصرية عادل الطويل، وباسم درويش، موسيقى ومؤلف موسيقى مصرى ألمانى. كونى جزءًا من هذه المجموعة الرائعة التى تم اختيارها بعناية لتمثل التآلف الثقافى بين مصر وألمانيا، كانت لحظة عظيمة بالنسبة لى.

خلال الرحلة، كان لى شرف لقاء الرئيس شتاينماير عدة مرات على متن الطائرة الرئاسية، كان يشركنا فى الحوارات والنقاشات حول مستقبل العلاقات بين البلدين. ما أثار إعجابى هو اهتمامه الشديد بالاستماع إلى آرائنا حول كيفية تعزيز التعاون الثقافى والفنى بين ألمانيا ومصر، وطلبه لسماع اقتراحاتنا وآرائنا بعد الرحلة أيضاً.

كان من دواعى سرورى أن أشارك فى هذه اللحظة التاريخية. تلقيت دعوة للمشاركة فى الوفد قبل أسبوع واحد فقط من موعد الرحلة، وكان ذلك مفاجأة كبيرة لى. كان على تجهيز نفسى على المستويين العملى والنفسى خلال فترة قصيرة للغاية، لكن الحماس والرغبة فى تمثيل بلديى العزيزين دفعتنى للاستعداد بكل طاقتى. انطلقنا من مطار برلين متجهين إلى القاهرة، حيث تم استقبالنا بحفاوة بالغة من قبل وزير الخارجية المصرى السفير الدكتور بدر عبدالعاطى ووزير الموارد المائية والرى الدكتور هانى سويلم، وسفير مصر فى ألمانيا.

اللقاء مع الرئيس عبدالفتاح السيسى فى قصر الاتحادية كان واحدًا من أبرز لحظات الزيارة بالنسبة لى وأكثرها فخراً وسروراً. فقد قدمنى الرئيس شتاينماير إلى الرئيس السيسى بفخر، وتحدث عن إنجازاتى فى ألمانيا، بما فى ذلك حصولى على جائزة «German Jazz Award» مرتين. الرئيس السيسى بدوره أعرب عن فخره الكبير بمصريتى، وشجعنى على مواصلة العمل والإبداع فى مصر أيضاً، مؤكدًا دعمه الكامل لى وللمبدعين المصريين فى الخارج، وفى لافتة كريمة دعانى لزيارة مدينة الفنون والثقافة فى العاصمة الإدارية الجديدة. كانت لحظة مؤثرة عندما عبرت عن فخرى بانتمائى لكل من مصر وألمانيا، حيث قضيت نصف حياتى فى كل منهما، وأدين بالفضل لكلا البلدين فى تكوينى كفنان وموسيقى.

كما كان اللقاء مع قداسة البابا تواضروس الثانى لقاءً دافئًا ومليئًا بالروحانية. عندما رحبت به وقبلت يده، لاحظ فورًا أننى قبطى، وكان الترحيب بيننا حارًا ومؤثرًا.

البرنامج كان مكثفًا ومليئًا بالزيارات واللقاءات مع تيارات ومؤسسات مختلفة. زرنا المدرسة الألمانية بالقاهرة، ومدرسة الراهبات الألمانية فى باب اللوق، سوق السمك الجديد، وقمنا بجولة فى القطار الكهربائى السريع الذى تشرف عليه «سيمنز» فى العاصمة الإدارية الجديدة وشهدنا افتتاح الجامعة الألمانية الدولية GIU. كانت فرصة لرؤية المشاريع التنموية الكبرى التى تشهدها مصر عن كثب، وأشعر بالفخر لرؤية هذا التطور.

الزيارة التاريخية حملت العديد من الأبعاد، السياسية والاقتصادية والثقافية. تمت مناقشة الدور المحورى لمصر فى المنطقة، لا سيما فى تعزيز السلام فى المنطقة، وتطوير التعليم والثقافة. لم يكن الدور الاقتصادى أقل أهمية، فقد أشار الموقع الرسمى للرئاسة الألمانية إلى أن الاستثمارات الألمانية التى حملتها الزيارة فى مصر تجاوزت 70 مليار دولار، مما أسعدنى أن أشهد على ذلك التطور الرائع.

فى اليوم الأخير من الزيارة، تم تنظيم حفل موسيقى فى حديقة السفارة الألمانية بالقاهرة. لم أتمالك نفسى من الفرحة عندما فاجأنى الرئيس شتاينماير بتقديمى بنفسه على المسرح، مكرراً اسمى ودورى فى تعزيز الروابط الثقافية بين مصر وألمانيا. كان هذا التكريم بالنسبة لى أعظم لحظة فى حياتى المهنية، أكبر حتى من جوائز «German Jazz Award»، لأنه جاء فى بلدى الأم مصر، ومن رئيس ألمانيا التى أعيش فيها وساهمت فى تكوينى كفنان وموسيقى.

قبل هذه الزيارة، كنت أعتزم إيقاف حفلاتى فى مصر لهذا العام بسبب المعوقات التى واجهتها فى تنظيم العروض الموسيقية، ولكن بعد هذه الزيارة أخذت تشجيعاً ودفعة أن أكمل المشوار الذى بدأته منذ اكثر من ٢٥ عامًا وقد أشعر بالتفاؤل بأننا سنجد حلولاً لتجاوز الصعوبات التى تواجهنا خاصة فيما يتعلق بإجراءات تنظيم الحفلات الموسيقية وإجراءات التصوير الخارجى فى مصر.

لا أخفيكم سرًا، ورغم الصعوبات، أنا مؤمن تمامًا بأن الشباب المصرى الواعد قادر على استعادة مكانة مصر كقائدة للفن والثقافة. نحن بحاجة إلى إيجاد حلول جذرية لمنع هجرة العقول المبدعة والفريدة إلى الخارج، والعمل على دعمهم وتشجيعهم للبقاء فى مصر، من أجل إعادة بناء هويتنا الثقافية والفنية التى تدهورت خلال الخمس سنوات الأخيرة.

ختامًا، هذه الزيارة كانت بمثابة تتويج لمسيرتى الفنية على مدار ربع قرن، وأعتبرها نقطة تحول مهمة فى حياتى. لقد شعرت بالفخر الكبير بتمثيل مصر وألمانيا فى هذا الحدث التاريخى، وأتطلع إلى المستقبل بمزيد من الأمل والتفاؤل بأننا سنحقق المزيد من الإنجازات الفنية والثقافية التى تليق بمكانة مصر وألمانيا على الساحة الدولية.

 

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق