"التحول الرقمي" مجرد لافتة.. حريق سنترال رمسيس: شرارة حولت قلب القاهرة إلى جحيم وكشفت هشاشة الدولة الرقمية - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"التحول الرقمي" مجرد لافتة.. حريق سنترال رمسيس: شرارة حولت قلب القاهرة إلى جحيم وكشفت هشاشة الدولة الرقمية - بلس 48, اليوم الأربعاء 9 يوليو 2025 12:53 مساءً

في ظهيرة يوم بدا عاديًا كغيره اندلعت شرارة صغيرة داخل مبنى سنترال رمسيس – أحد أهم مراكز الاتصالات في مصر – فتحولت سريعًا إلى جحيم اجتاح طوابقه، وتسبب في خسائر بشرية وخدمية غير مسبوقة. لم تكن مجرد ألسنة لهب تتصاعد من نوافذ مبنى قديم، بل كانت كاشفة لأزمة بنيوية خطيرة تضرب صميم الدولة: هشاشة المنظومة الرقمية، وغياب خطط الطوارئ، وضعف التنسيق بين الجهات الحيوية.

ما إن انتشر الدخان الكثيف من قلب القاهرة حتى انتشر الذعر بين ملايين المواطنين، ليس فقط بسبب الحريق، ولكن بسبب ما صاحبه من توقف كامل في الاتصالات، وشلل في قطاعات تعتمد كليًا على التكنولوجيا. الحريق لم يلتهم المعدات فقط، بل أحرق صورة "التحول الرقمي" الذي طالما رُوج له رسميًا، وفضح البنية التحتية المهترئة التي تقوم عليها معظم الخدمات الإلكترونية في البلاد.

 

سنترال رمسيس: القلب الذي توقف فجأة

سنترال رمسيس ليس مبنى إداريًا عاديًا، بل هو نقطة محورية تمر بها نسبة كبيرة من حركة الاتصالات والإنترنت في مصر. الحريق الذي بدأ في أحد الطوابق العليا انتشر بسرعة وسط غياب تام لمعايير الحماية الحديثة. تسربت النيران إلى وحدات التحكم والشبكات الأساسية، ما تسبب في انقطاع خدمات الاتصالات عن ملايين المستخدمين في القاهرة الكبرى وعدة محافظات.

الصدمة الكبرى كانت في اعتماد البلاد بهذا الشكل الخطير على نقطة واحدة، لا وجود واضح لنظام نسخ احتياطي لحظي، ولا مراكز بيانات بديلة فاعلة، ولا حتى خطة استجابة فورية تضمن استمرار الحد الأدنى من الخدمات.

بيان هام من الآثار بعد حريق رمسيس بشأن المباني الأثرية | صوت المسيحي الحر

الحكومة تحت المجهر: ارتباك وتصريحات متناقضة

كعادة الكوارث الكبرى، تأخرت الحكومة في إصدار بيان رسمي يوضح حقيقة ما يحدث، ساعات مرت والمواطنون يعانون انقطاع الاتصالات والإنترنت، دون أي تفسير مقنع، ثم جاءت التصريحات، متضاربة، ومليئة بالطمأنة الشكلية التي لا تعكس حجم الأزمة. بعض المسؤولين قللوا من حجم الحريق، وآخرون وعدوا بعودة الخدمات "قريبًا"، بينما كانت الشبكات لا تزال مشلولة، والشركات والمصالح متوقفة تمامًا.

لم تُعرض أي خطط طوارئ، ولم يظهر أي تنسيق واضح بين الوزارات المعنية. الدفاع المدني تدخل متأخرًا نسبيًا، وبدت عمليات الإطفاء بدائية وغير مجهزة لحريق بهذا المستوى. أما وزارة الاتصالات، فظهرت مرتبكة، وتعاملت مع الحدث كأنه مجرد عطل تقني يمكن تجاوزه بالوقت.

حريق سنترال رمسيس.. النيران تشتعل مجددا بالطابق السابع ومصدر أمني: مستمرون  في إخمادها - بوابة الشروق - نسخة الموبايل

البرلمان صامت أو بطيء كعادته

ما زاد من حدة الغضب الشعبي هو الموقف الباهت للبرلمان، الذي يُفترض أن يكون صوت الناس ورقيب الحكومة، تأخر النواب في الرد، ولم يصدر أي موقف رسمي حاسم في الساعات الأولى من الحريق، بعد ذلك، ظهرت بعض التصريحات الفردية الغاضبة، لكنها لم تكن كافية أمام فاجعة بهذا الحجم.

كان من المفترض أن يعقد البرلمان جلسة طارئة، يستدعي فيها الوزراء المعنيين، ويطلب فتح تحقيق فوري ومعلن، لكن ما حدث هو الاكتفاء بطلبات إحاطة شكلية، وكأن الكارثة وقعت في دولة أخرى لا تعنيهم.

هذا الصمت أو البطء البرلماني في مواجهة أزمة بهذا الحجم يطرح تساؤلات جدية حول دور السلطة التشريعية في الرقابة والمساءلة، ويكشف عن خلل سياسي لا يقل خطورة عن الخلل الفني.

المواطن في وجه العاصفة

من دفع الثمن؟ كالعادة، المواطن، تعطلت مصالح الملايين، أُغلقت مكاتب البريد، توقفت خدمات الدفع الإلكتروني، لم يستطع الناس سحب أموالهم أو إنهاء معاملاتهم الحكومية. حتى الطوارئ الطبية تأثرت، إذ تعتمد الكثير من المستشفيات على قواعد بيانات مرتبطة بالشبكة، الطلاب الذين يعتمدون على الإنترنت في الامتحانات أو المنصات التعليمية وجدوا أنفسهم عاجزين. الشركات الصغيرة التي تدير أعمالها رقميًا توقفت، وتكبدت خسائر. لم يكن المواطن مجرد متفرج على الحريق، بل كان الضحية الحقيقية له.

كارثة في القاهرة| حريق سنترال رمسيس يلتهم معظم المبنى والتكييفات تنفجر

 

 

حريق سنترال رمسيس يربك القاهرة.. ما مدى نجاعة خطط الطوارئ في مصر؟ |  التلفزيون العربي

الحريق فتح الباب لطرح أسئلة مؤلمة ولكن ضرورية: إذا كان مجرد ماس كهربائي في مبنى واحد قادرًا على شل الاتصالات في مصر، فماذا عن الأمن السيبراني؟ أين النسخ الاحتياطية؟ أين خطط الطوارئ الرقمية التي يُفترض أنها الأساس في دولة تسعى للتحول الرقمي؟

الواقع المؤسف أن كثيرًا من هذه الشعارات – الرقمنة، المدن الذكية، الدفع الإلكتروني – بُنيت فوق أرض رخوة، بدون حماية حقيقية، أو تخطيط طويل الأمد. الحريق لم يُفاجئ فقط المواطن، بل يبدو أنه فاجأ حتى المسؤولين، لأنهم لم يتوقعوا أن اختبارًا عمليًا سيكشف بهذا الوضوح مدى ضعف المنظومة.

ما حدث في سنترال رمسيس ليس مجرد حريق، بل جرس إنذار شديد اللهجة. دولة بأكملها توقفت لأن شرارة صغيرة اشتعلت في طابق بمبنى واحد، هذه ليست مجرد صدفة أو حادثة عابرة، بل نتيجة مباشرة للإهمال، والتقصير، والاكتفاء بالشعارات، إما أن نتعامل مع ما جرى باعتباره نقطة تحوّل نعيد فيها بناء المنظومة من جذورها، أو ننتظر الحريق القادم، والذي قد يكون أقسى، وأخطر، وربما لا ننجو منه بنفس القدر من الحظ.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق