في أعقاب الأحداث الدرامية التي شهدها حوض النيل الأخيرة، حيث أدى فتح بوابات المفيض في سد النهضة الإثيوبي إلى فيضانات مدمرة في السودان وارتفاع مفاجئ في منسوب النيل في مصر، يبرز الدكتور وفيق نصير، عضو البرلمان العالمي للبيئة، كصوت يجمع بين الخبرة الدولية والقلق المحلي.
إغلاق البوابات يوم 10 أكتوبر بالكامل
في هذا الحوار، يتحدث الدكتور نصير، عن التهديد المزدوج للفيضان والجفاف، وكيف يمكن لمصر أن تحول هذا التحدي إلى فرصة للاستدامة البيئية.
بعد إغلاق جميع بوابات السد، مما أثار مخاوف جديدة من انخفاض التدفقات
س: دعونا نبدأ بالحدث الأخير. في الأيام الماضية، أدى فتح 4 بوابات على الأقل في سد النهضة إلى تصريف يصل إلى 500 مليون متر مكعب يوميًا، مما تسبب في فيضانات غمرت أجزاء من أم درمان في السودان وأثرت على الدلتا المصرية، كيف ترون هذا التصرف الإثيوبي، خاصة مع إغلاق البوابات يوم 10 أكتوبر بالكامل؟.
ج: أشفق على الشعب السوداني الذي دفع ثمنًا باهظًا لهذه الفيضانات، حيث غمرت المياه آلاف الهكتارات وأدت إلى خسائر بشرية ومادية، و الأمطار الغزيرة في حوض النيل الأزرق دفعتهم لفتح البوابات بدون تنسيق كافٍ مع مصر والسودان، وهو ما أدى إلى ارتفاع منسوب النيل في مصر إلى درجة اضطرت الحكومة معها لفتح بوابات السد العالي في أسوان يوم 3 أكتوبر لتخفيف الضغط على بحيرة ناصر وفتح مفيض توشكي علي المشاريع الجديده والنهر الموازي في الصحراء الغربيه وهوا ماأنقذ الموقف نوعا ما وإلا كان حدث كوارث.
أما الإغلاق اليومي، فهو ينذر بتراجع سريع في التدفقات، حيث انخفض التصريف إلى أقل من 150 مليون متر مكعب يوميًا، وهو أقل مما كان قبل افتتاح السد رسميًا في 9 سبتمبر. هذا "تخبط إداري إثيوبي"، كما يصفه الخبراء، يعكس غياب اتفاق دولي ملزم، ويجعل السودان الضحية الأولى، بينما مصر تواجه الجفاف القادم.
س: انتشرت شائعات وفيديوهات مزيفة على وسائل التواصل، مثل فيديو يُنسب إلى فتح بوابات النهضة لكنه في الواقع من سد جاواي في الهند، كيف يؤثر هذا على الوعي العام، وما دور البرلمان العالمي في مواجهة مثل هذه التحديات؟.
ج: الشائعات تزيد من التوتر، خاصة مع ادعاءات بأن إثيوبيا "أغرقت" السودان عمدًا، بينما السبب الرئيسي هو الأمطار الزائدة الناتجة عن التغيرات المناخية.
وفي البرلمان العالمي، نناقش هذه القضايا كجزء من استراتيجية عالمية لإدارة المياه، وندعو إلى مراقبة أقمار صناعية مشتركة للكشف عن أي تصريف غير معلن.
ومصر يجب أن تقود حملة إعلامية لتصحيح الحقائق، مع التركيز على أن سد النهضة غيّر خريطة تدفقات النيل: النيل الأبيض يرتفع مؤقتًا، بينما الأزرق يتراجع، مما يهدد التوازن الطبيعي.
سد النهضة غيّر خريطة تدفقات النيل
س: من الناحية البيئية، هل هذا الفيضان المؤقت يخفف من مخاوف الجفاف الطويل الأمد؟ وما الذي ينتظر مصر بحلول نهاية 2025؟.
ج: بالعكس، التغيرات المناخية تجعل الفيضانات والجفاف يتناوبان بقوة أكبر. الإغلاق الحالي يعني انخفاضًا في التدفق بنسبة 10-15%، مما قد يقلل الإمداد المائي إلى أقل من 500 متر مكعب للفرد سنويًا، ويهدد الزراعة في الدلتا والصعيد.
وسد النهضة، باحتفاظه بالمياه لإثيوبيا، يفاقم هذا التهديد، خاصة مع افتتاحه دون تشغيل التوربينات الكاملة. مصر تواجه خطرًا وجوديًا، لكنها ليست عاجزة؛ مشاريع مثل "نهر جديد"، الذي يهدف إلى نقل مياه من مناطق أخرى وتحسين إدارة الفيضانات، تمثل خطوة استراتيجية ذكية.
س: ما الحلول العاجلة التي تقترحونها، سواء على المستوى الدولي أو المحلي؟.
ج: على المستوى الدولي، نحتاج اتفاقًا ثلاثيًا ملزمًا تحت مظلة الأمم المتحدة، يحدد قواعد الملء والتصريف، مع آليات للتعويض عن الضرر.
وفي البرلمان العالمي، سأدفع لقرار يدعم مصر في هذا النزاع، ومحليًا، دعوة للشباب والمزارعين: حملات توفير مياه توفر 30% من الهدر عبر تقنيات الري الحديثة، زراعة أشجار محلية للحفاظ على التربة، وتفعيل حملة #نيل_آمن_للجميع لجمع التوقيعات على عريضة دولية، مصر يمكنها أن تكون نموذجًا للاستدامة إذا تحوّلت من الدفاع إلى الهجوم البيئي.
مصر يمكنها أن تكون نموذجًا للاستدامة إذا تحوّلت من الدفاع إلى الهجوم البيئي
س: شكرًا لك يا دكتور على هذا الحوار الغني. هل لديك رسالة أخيرة للقراء في مصر والسودان؟.
ج: النيل ليس نهرًا فحسب، بل تراث مشترك يجمعنا، الفيضان درس، والجفاف تحذير؛ لنحميه معًا قبل فوات الأوان، وشاركوا في الحملة، ودعونا نرسل صوتنا إلى العالم.
وهذا الحوار يعكس التوترات الجيوسياسية الحالية حول سد النهضة، الذي أُفتتح في سبتمبر 2025 وسط خلافات مستمرة بين إثيوبيا ومصر والسودان.
0 تعليق