يأتي عيد الأضحى كل عام ليحمل معه معاني عظيمة من الطاعة والتقرب إلى الله، فهو ليس مجرّد مناسبة للاحتفال، بل هو شعيرة كبرى من شعائر الدين، ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بسنة خليل الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وأحياها رسول الله ﷺ بسنن عملية وروحية أضاءت الطريق للمسلمين إلى يومنا هذا.
ففهم سنة النبي في عيد الأضحى ليس فقط إحياءً لسنة مؤكدة، بل هو تعبير عن عمق الانتماء للهوية الإسلامية، وربط للماضي المجيد بالحاضر المعاصر.
سنن عيد الأضحى
أولى هذه السنن هي الاغتسال والتجهز للعيد، فقد ورد أن النبي ﷺ كان يغتسل يوم الأضحى كما يغتسل يوم الجمعة، في دعوة واضحة للنظافة والتجمل، خصوصًا في يوم هو رمز للتقرب والطهر.
ويستحب أن يتزين المسلم بأجمل ما عنده من الثياب، ويتطيب، ويتسوك، تأسّيًا برسول الله ﷺ الذي قال: “إنّ هذا يوم جعله الله عيدًا للمسلمين، فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمسّ منه”.
كما أن التكبير من أبرز ما يميز يوم العيد، فهو سنة مؤكدة تبدأ من غروب شمس يوم عرفة وحتى دخول الإمام لصلاة العيد، إذ كان الصحابة يجهرون به في الأسواق والطرقات، ليشيع في الأجواء روح الفرح والعبادة.
وللتكبير صيغٌ متعددة، أشهرها ما ورد عن الإمام الشافعي: “الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد”.
وهذه الصيغة تجتمع فيها عظمة التوحيد وجمال الحمد لله تعالى.
من السنن الجميلة كذلك أكل تمرات وترًا قبل الخروج إلى صلاة العيد، وإن كان ذلك مستحبًا في عيد الفطر تحديدًا، فإن في عيد الأضحى يُستحب تأخير الأكل إلى ما بعد الصلاة والذبح، تطبيقًا لما ورد عن النبي ﷺ أنه “كان لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي”.
ومن أجمل ما نقلته كتب السيرة عن سنة النبي في عيد الأضحى هو خروجه إلى المصلى ماشيًا، من طريق ويعود من طريق آخر، وذلك لتعمّ البركة الأماكن، وتظهر شعائر الإسلام في الطرقات.
وهذه التفاصيل التي قد يراها البعض صغيرة، في الواقع تحمل في طياتها معاني روحية عظيمة، من إحياء سنة إلى إشاعة المحبة والسلام.
صلاة العيد
أما الركن الأهم في يوم العيد، فهو صلاة العيد ذاتها، والتي تختلف مذاهب الفقهاء في حكمها.
فالشافعية والمالكية يرونها سنة مؤكدة، بينما يعتبرها الحنفية واجبة، والحنابلة يرون أنها فرض كفاية.
وهي تُصلّى ركعتين دون أذان أو إقامة، ويُستحب التبكير إليها، مع الحرص على حضورها جماعة، رجالاً ونساءً.
بعد الصلاة، تبدأ الشعيرة العظمى: الأضحية، وهي من السنن المؤكدة التي داوم عليها النبي ﷺ، بل ضحّى بكبشين أملحين عن نفسه وعن أمته.
وهنا تتجلى سنة النبي في عيد الأضحى بأوضح صورها، حيث أوصى النبي ﷺ المضحي بعدم قص شعره أو أظافره منذ رؤية هلال ذي الحجة، حتى يُتمّ نحر الأضحية، امتثالاً لقوله ﷺ: “إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره”.
ويبدأ وقت الذبح بعد الانتهاء من صلاة العيد مباشرة، فلا يجوز الذبح قبلها، كما بيّن النبي ﷺ بوضوح قائلاً: “إنَّ أولَ ما نبدأ به في يومنا هذا أن نُصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله”.
ومن أدق التفاصيل في الذبح التي وردت عن سنة النبي في عيد الأضحى، هو التأكيد على التسمية، لقول الله تعالى: “فاذكروا اسم الله عليها صواف”، إضافة إلى استحباب أن يذبح المضحي أضحيته بنفسه، إن استطاع، وأن يأكل منها ويتصدق ويهدي، اتباعًا لهدي النبي ﷺ الذي قال: “كلوا وادخروا وتصدقوا”.
وفي هذا اليوم العظيم، يُستحب إظهار الفرح والتوسعة على الأهل، صلةً للأرحام، وتعظيمًا لشعائر الله، إذ إن الفرحة بعيد الأضحى ليست فرحة دنيوية بحتة، بل فرحة بطاعة الله واتباع سنة نبيه ﷺ.
ولا يغيب عن الذكر أن من هدي النبي ﷺ في الأعياد أنه كان يُظهر البهجة، ويسمح للناس بالتعبير عن فرحتهم، حتى أن الصحابة رووا أنه رأى الأحباش يرقصون في المسجد، فلم ينههم، وقال لعائشة: “لتعلم يهود أن في ديننا فسحة”.
ومن هنا، نعلم أن العيد في الإسلام هو مساحة فرح مباح منضبط، تُرسم فيه ملامح السعادة على ضوء الشريعة.
في النهاية، فإن سنة النبي في عيد الأضحى لا تقتصر على الذبح أو الصلاة، بل تشمل منظومة متكاملة من الأخلاق، والرحمة، والجمال، والعبادة، والفرح، والتكافل.
هي مدرسة نبوية مفتوحة في يوم واحد، تجتمع فيها كل المعاني التي تسمو بالنفس وترتقي بالمجتمع.
فكل من حرص على اتباعها، نال نصيبًا من نور النبوة، واحتفل حقًا بعيدٍ لا يشبه سواه.
تعليقات