الحقيقة أنا نشأت ولِي عظيم الفخر لأب مهندس يعشق تراب الوطن، رجل من رجال أكتوبر والعبور العظيم، علمني القرآن الكريم والرجولة، وحب القراءة والأدب الجاهلي والشعر بأنواعه.

علمني منذ نعومة أظافري دواوين بيرم والأسطورة أمل دونقل، وجاهين وبيرم التونسي والعملاق حداد وعم جمال بخيت والاستثنائي سيد حجاب والعم أبنودي ومما خلافه من فطاحل العامية، لكنه كان متيمًا وعاشقًا ومفتونًا بفاجومي الأدب عم أحمد فؤاد نجم.
وأذكر أني قرأت دواوين فؤاد نجم وكنت في العاشرة من عمري وكانت قمة متعتي، وأُقسم أن أجولة الكتب ودواوين الأدب لا زالت لا تغادر غرفتي القديمة القابعة في ميدان فكتوريا شبرا مصر حتى الآن والسر في هذا الارتباط إن أبي عليه رحمة الله كان أمين عام الحزب الناصري في شبرا في ريعان شبابه وتربطه بجحافل الناصرية علاقات أخوة ومنهم الفنان حمدي أحمد والفنان عبد الله غيث والشاعر الراحل القدير أحمد فؤاد نجم رئيس مجلس إدارة السطوح.
توقفت بمنتهى الذهول والدهشة والعجب عند تناول الإعلامي والصحفي البارز محمد الباز سيرة هذا الراحل بعد سنوات عديدة من وفاته، بشكل يخرج تمامًا عن نطاق النقد الأدبي أو العرض النقدي، أو حتى التحليل السياسي أو حتى المقارنة النقدية، بل تناول وركز فقط على السب والقصف وتشويه الصورة، والاتهام بالسرقة والدونية، والطمع وغش الأصدقاء والغدر والتزوير، والسجن والحبس وانتهاك الخصوصية.

وهنالك وقفات قانونية قبل الرأي:
الفكرة الأولى: التقادم المسفط
عرف القانون الجنائي المصري ما يسمى بإنقضاء الدعوى الجنائية بوفاة المتهم، أو انقضائها بمضي المدة، ولعل الغرض من ذلك واضح لكل المتخصصين بالقانون، وهو عدم تسليط الدعوى الجنائية على رقبة المتهم طوال العمر، أو عدم تسليطها على الإنسان حتى بعد وفاته، وعدم تسليطها على رقاب أبناءه وأحفاده، تخيل عزيزي القارئ أن القانون عرف ذلك بل أتى بعد سنوات ليسلط الدعوى الجنائية على نجم وأسرته وابنته الآمنة ليقلقها من نومها دون أدنى مبرر.
بالمناسبة أنا لا أعرف نوارة ولم أقابلها سوى مرة واحدة في أحد البرامج التلفزيونية وتشاجرنا على الهواء ولعلها لن تذكر الحدث، وما أقصده هنا أن القانون العقابي نفسه عرف فكرة السماح والصفح بمضي المدة، ولكن بعض الناس لم تعرفه، وذلك كله بفرض صحة مزاعم الباز.
الفكرة الثانية الحصانة الصحافية في جرائم النشر
عرف الدستور المصري فكرة منع الحبس في جرائم النشر، وعرفنا نحن الصحافة صاحبة الجلالة وعشقناها كمحامين مدافعين عن الحقوق والحريات وتزاملنا مع الأخوة الصحافيين، كتفا بكتف قلم بقلم وأُقدرهم تقديرًا بالغا وأعتز برسالتهم ولعل حمايتهم من الحبس جاءت لفكرة المشروع العبقرية كحماية للمجتمع ذاته، فلا يجب أن يخاف الصحفي من قضبان السجون إذا ما هو سطر بقلمه موضوعًا أو أشار إلى فساد أو عرض نقدًا أو هاجم مسؤولًا أو ناقش فكرة متطرفة، الغرض هنا ليس حماية شخص الصحفي وإنما هي حماية حرية الصحافة لتظل السلطة الرابعة وصوت الحق وكاشفة الفساد والمفسدين وقلعة تشكيل الوعي البشري لذلك كان المشروع حريصا على حماية هذه الرسالة بموجب نصوص جازمة حاسمة دستورية، لذلك فإن الخروج عن هذا النسق يفرغ النص من مضمونه ويمنح الصحفي الحق في إهانة الناس واتهامهم بالباطل، وتسليط قلمه على الجميع ليس هذا الغرض من حرية النشر ومنع الحبس فيه.
الغرض هنا هو حماية الصحفي من بطش مسؤول أو صاحب نفوذ، وليس منح الصحفي الحق في مهاجمة رجل ميت واتهامه بالسرقة والنصب والتزوير، شاعر بسيط يعشقه بسطاء هذا الشعب حتى اللحظة رجل لن يرد عليه في الحياة الدنيا، ولا بد أن تصل تلك القاعدة إلى شباب الصحفيين الأفاضل وأن يقوم عليه النقيب البلشي بنفسه وهو المعروف بإحترامه، فكما نبلغ دائمًا شباب المحامين إن المحاماه مجيدة كالفضيلة وإن حصانتك داخل المحكمة لا يمكن أن تكون مبررًا لمخالفة القانون.. نوجه عناية أفاضل الصحافة أن “ن والقلم وما يسطرون” صدق الله العظيم.
تعليقات