هل تمهد الحكومة لبيع أراضي الوقف؟.. جدل قانوني وشرعي بعد تصريحات «مدبولي» بشأن «الأوقاف»: لا بيع ولا تنازل

كتب: صابر جمعه سكر

أثارت تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بشأن ضرورة حصر أراضي هيئة الأوقاف وطرحها للبيع للقطاع الخاص أو الدخول بها في مشروعات استثمارية، جدلًا واسعًا وردود فعل متباينة، وسط تحذيرات قانونية وشرعية اعتبرت هذه الخطوة مساسًا خطيرًا بطبيعة الوقف وأحكامه التي تحظر بيع أعيانه أو التصرف فيها.


وبعد موجة الانتقادات، عاد رئيس الوزراء ليصرّح مجددًا بأن “لا بيع ولا تنازل عن ممتلكات هيئة الأوقاف”. غير أن هذا التصريح لم يطفئ الجدل، بل زاد من التساؤلات حول الطبيعة القانونية للوقف، لا سيما أن هيئة الأوقاف لا “تملك” هذه الأعيان، بل تديرها فقط نيابة عن وزير الأوقاف بصفته الناظر الشرعي، وفقًا لأحكام القانون رقم 80 لسنة 1971.

هيئة الأوقاف لا تملك بل تُدير

في تصريح خاص لموقع “الحرية”، أوضح الدكتور محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، أن هيئة الأوقاف لا تملك أعيان الوقف الخيري، بل تديرها لصالح الناظر الشرعي.

وأكد أن عوائد الوقف تُصرف في مصارف البر التي نص عليها الواقف، ولا يجوز لأي جهة أو مسؤول التصرف فيها بيعًا أو تنازلًا.

الدكتور محمد نبيل غنايم الدكتور محمد نبيل غنايم
الدكتور محمد نبيل غنايم

الوقف: “حبس العين على حكم ملك الله”

ومن جانبه، صرّح المستشار محمد مطر، رئيس محكمة استئناف طنطا الأسبق في تصريحات خاصة لـ «الحرية»، أن الوقف شرعًا وقانونًا هو “حبس العين على حكم ملك الله تعالى”، أي أن أعيانه تخرج من ملك البشر ولا تدخل في امتلاك أي جهة أو شخص.


المستشار محمد مطر المستشار محمد مطر
المستشار محمد مطر

وأوضح أن الناظر الشرعي للوقف يدير أعيانه ويستغلها على الوجه الأصلح، دون أن يكون له حق التصرف في أصلها.

وأشار إلى أن الوقف الخيري يُعد شخصية اعتبارية مستقلة، وله إرادة قانونية يمثلها الناظر، ويُحظر تمامًا بيع أعيانه أو رهنها، وإلا كان البيع باطلًا بطلانًا مطلقًا.

نهاية الوقف الأهلي وبقاء الخيري

وبيّن المحامي الحقوقي جمال الدين خطاب في لقاء أن الوقف نوعان: أهلي وخيري. وقد أُوقف العمل بالوقف الأهلي بموجب القانون رقم 180 لسنة 1952، لتبقى فقط الأوقاف الخيرية التي تُصرف عوائدها على وجوه البر العامة.

وأضاف أن تغيير مصارف الوقف أو التلاعب بعوائده يُعد مخالفة صريحة لأحكام الشريعة والقانون، ويمثل انتهاكًا لإرادة الواقف.


الوقف لا تنتقل ملكيته للدولة

وفي السياق نفسه، أكد الدكتور محمد حسين، أستاذ القانون بجامعة القاهر فرع الخرطوم ، أن إنشاء الوقف يتم بالإشهاد وفقًا للشريعة الإسلامية، ولا تنتقل ملكية العين الموقوفة إلى الدولة أو أي جهة، وإنما تصبح “ملكًا لله تعالى”، وتخرج من ذمة الواقف والمتبرع والناظر.

وأشار إلى أن توثيق الوقف بدأ بموجب القانون رقم 48 لسنة 1946، لكن أصل الوقف يظل خاضعًا لأحكام الشريعة.

عبارة الواقف هي المرجع الحاكم

وأكّد علاء النحاس، نقيب المحامين بمحافظة البحيرة، أن العبرة في تفسير الوقف تكون بعبارة الواقف الواردة في “حجة الوقف”، وأن تجاوز تلك العبارة يُعد باطلًا ولو صدر عن أعلى سلطة تنفيذية.

وأوضح أن كل تغيير في المصارف التي حدّدها الواقف يُعد تحريفًا لإرادته ومساسًا ببنية الوقف الشرعية والقانونية.

شروط الواقفين تقيّد سلطة الإدارة

أما الشيخ محمد عبد الفتاح عبيد، المدرس بالأزهر الشريف، فأشار إلى أن الواقفين اعتادوا إدراج شروط دقيقة في حجج الأوقاف، تتضمن حق الإدخال والإخراج والتبديل، دون المساس بأصل الوقف. وتبقى قاعدة “أبدية الوقف” ملزمة لا يجوز الإخلال بها.


فيما أوضح الدكتور رجب خليل، الإعلامي ومدير إذاعة القرآن الكريم الأسبق، أن المشرّع أقر بقاعدة “شرط الواقف كنص الشارع”، أي أن القاضي مُلزَم بتفسير عبارات الواقف بما يحقق مقصده. وشدّد على أن الوقف لا يجوز الرجوع فيه بعد إنشائه، مستندًا إلى حديث النبي ﷺ:

“مثل الذي يرجع في صدقته كمثل الكلب يقيء ثم يعود في قيئه فيأكله” – رواه مسلم.

خلاصة المشهد: حماية الوقف من التفريط

أعادت التصريحات الأخيرة حول أعيان الوقف الخيري فتح واحد من أخطر الملفات المتصلة بالمال العام وحقوق الأجيال القادمة. ويجمع المتخصصون على أن أي محاولة للتصرف في أعيان الوقف الخيري دون ضوابط شرعية وقانونية صارمة تمثل خرقًا واضحًا لأحكام الشريعة الإسلامية وروح القانون المصري، وتستوجب مراجعة شاملة وتدقيقًا قانونيًا وشرعيًا لحماية هذا الإرث من التفريط أو التلاعب.

. .me21

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *