في مشهد روحاني مهيب، تتجه أنظار أكثر من مليار مسلم سنويًا نحو مكة المكرمة خلال موسم الحج، ذلك الركن الخامس من أركان الإسلام الذي يجسد وحدة المسلمين وارتباطهم الروحي بالمكان والزمان.
ومع انطلاق موسم الحج 1446 هـ – 2025 م، يتردد سؤال جوهري على ألسنة الكثيرين: كم عدد الحجاج هذا العام؟

أعلنت السلطات السعودية، اليوم الجمعة، عن الأرقام الرسمية لعدد الحجاج، حيث بلغ إجمالي عدد الحجاج لموسم 1446هـ أكثر من 1,673,230 حاجًا وحاجة، في مؤشر واضح على عودة الأعداد تدريجيًا إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا، ونجاح المملكة في استيعاب هذه الأعداد الضخمة وسط استعدادات تنظيمية وتقنية وأمنية ضخمة.
السعودية تخطط لاستقبال 2.5 مليون حاج
تسعى المملكة العربية السعودية، ممثلة في وزارة الحج والعمرة، إلى رفع الطاقة الاستيعابية تدريجيًا لتصل إلى 2.5 مليون حاج خلال الأعوام القادمة، وهو الهدف الذي تضعه المملكة في صدارة أولوياتها ضمن رؤية السعودية 2030، التي تُعنى بتطوير منظومة الحج والعمرة ورفع كفاءة الخدمات اللوجستية، بما يعزز من تجربة الحجاج والزوار من مختلف دول العالم.
تفصيل الأرقام: من أين جاء الحجاج؟
وفقًا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء ووزارة الحج والعمرة، بلغ عدد الحجاج القادمين من خارج المملكة هذا العام نحو 1,506,576 حاجًا وحاجة، ما يشكل الغالبية العظمى من الحجاج.
وجاءت إندونيسيا في صدارة الدول من حيث عدد الحجاج، تلتها باكستان، الهند، بنجلادش، وتركيا، بينما شكلت الدول العربية مثل مصر والمغرب والجزائر نسبًا بارزة كذلك.
أما حجاج الداخل من المواطنين والمقيمين، فبلغ عددهم 166,654 حاجًا وحاجة، توزعوا بين مدن المملكة المختلفة، وقد استفادوا من الخدمات الإلكترونية التي أتاحتها السلطات لتنظيم وتيسير إجراءات التسجيل والحج.
توزيع الحجاج حسب النوع والجنس
عدد الحجاج الذكور: 877,841 حاجًا
عدد الحاجات الإناث: 795,389 حاجة
يعكس هذا التوزيع ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة الحاجات، ما يشير إلى تطور في وسائل النقل والتأمين الصحي والرعاية التي توفرها المملكة للنساء الحاجات.
“الحج الذكي”: نقلة نوعية في خدمة ضيوف الرحمن
يُعد موسم حج 2025 من المواسم التي تميزت بتطور تكنولوجي لافت، بفضل تطبيق منظومة “الحج الذكي”، وهي حزمة من الخدمات الرقمية التي أطلقتها المملكة لتسهيل أداء المناسك وضمان سلامة الحجاج.
شملت هذه المنظومة إصدار تصاريح الحج إلكترونيًا، ومتابعة حركة الحافلات عبر الأقمار الصناعية، وتوزيع الحجاج على مخيمات منى وعرفات باستخدام نظام ذكي يمنع التكدس ويراعي التوزيع الجغرافي العادل.
كما تم تفعيل تطبيقات إلكترونية خاصة بالحج تساعد في تحديد المواقع، وطلب الدعم الفوري، والوصول إلى المشاعر بسهولة.
ومن اللافت أن عدد المتطوعين بلغ 15,000 متطوع ومتطوعة، انتشروا في المشاعر المقدسة لتقديم الإرشاد والمساعدة للحجاج بلغات مختلفة، بما في ذلك العربية، والإنجليزية، والأردو، والإندونيسية، وغيرها.
استنفار أمني وصحي غير مسبوق
الجانب الأمني لم يكن أقل أهمية، حيث نشرت الأجهزة الأمنية آلاف العناصر في محيط الحرم والمشاعر، مع تركيب أكثر من 7,000 كاميرا مراقبة ذكية مرتبطة بغرف عمليات مركزية، لمراقبة الحشود والتدخل السريع في حال وقوع أي طارئ.
وعلى الصعيد الصحي، تم تجهيز عشرات المستشفيات والمراكز الطبية الميدانية بطواقم طبية سعودية ودولية، بلغ عددها أكثر من 250 بعثة طبية.
كما تم توزيع ما يزيد عن 20 ألف حافلة لنقل الحجاج بين المشاعر، بآلية تراعي السلامة وسلاسة التنقل.
التحديات والجهوزية
رغم حجم الأعداد والظروف المناخية الصعبة المتوقعة، خصوصًا ارتفاع درجات الحرارة، تؤكد وزارة الحج أن هناك خطط طوارئ متكاملة تشمل توفير عبوات مياه مبردة، ومظلات واقية من الشمس، ونقاط توزيع مكعبات الثلج، بالإضافة إلى مناطق مخصصة للراحة في ظل متابعة دقيقة من الجهات المعنية.
لماذا هذا العدد من الحجاج مهم عالميًا؟
يمثل موسم الحج تجمعًا دوليًا استثنائيًا، حيث يأتي الحجاج من أكثر من 180 دولة، مما يجعل إدارة هذا الحدث نموذجًا عالميًا في إدارة الحشود والخدمات الذكية.
وعليه، فإن الإجابة على سؤال “كم عدد الحجاج هذا العام؟” لا تعني فقط رصد الأرقام، بل تعكس مدى نجاح المملكة في إدارة حدث عابر للحدود والقارات.
نحو مستقبل أكثر تنظيمًا
تعمل المملكة العربية السعودية على توسيع نطاق البنية التحتية للحج، خاصة عبر مشاريع تطوير مشعر منى ورفع الطاقة الاستيعابية لجسر الجمرات، فضلًا عن التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي في مراقبة حركة الحشود وتوجيهها.
كما تستعد المملكة لطرح تأشيرة إلكترونية موحدة خاصة بالحج، يمكن من خلالها دمج الخدمات الصحية، والسكن، والنقل في منصة واحدة، وهو ما سيجعل تجربة الحج في السنوات المقبلة أكثر مرونة وراحة.
وفي ظل كل هذه الجهود، يبقى موسم حج 2025 علامة فارقة في سجل التنظيم السعودي للحج.
ومع بلوغ عدد الحجاج هذا العام أكثر من 1.6 مليون حاج، فإن المملكة تثبت مجددًا قدرتها على الجمع بين روحانية الحدث وضخامة التحدي، في لوحة مشرفة تعكس رعاية الدولة لضيوف الرحمن.
تعليقات