مع اقتراب مناسك الحج الكبرى، يطلّ على الأمة الإسلامية يومٌ تتعانق فيه الأرواح مع السماء، وترتفع فيه الدعوات في أولى خطوات السير نحو عرفات، إنه يوم التروية، الثامن من ذي الحجة، اليوم الذي يبدأ فيه الحجاج رحلتهم الروحية الفعلية من مشعر منى، استعدادًا لأعظم أيام الحج.

وفي هذا اليوم المبارك، يبحث المسلمون عن أفضل دعاء يوم التروية، تضرعًا وتقربًا إلى الله، واستشعارًا لعظمة اللحظة.
لماذا سُمي بيوم التروية؟
يرتبط اسم “يوم التروية” بمشهد تاريخي عظيم، حين كان الحجاج في العصور الأولى يقومون بجلب المياه من مكة إلى منى، ليرتووا ويستعدوا لرحلة عرفات، في ظل غياب شبكات المياه والمرافق الحديثة.
كانت المياه تُخزّن بعناية، ويُهيأ الجسم والقلب لاستقبال الموقف الأعظم. ومن هنا جاء الاسم: “التروية”، أي الارتواء بالماء، لكنه اليوم أصبح أيضًا ارتواءً للروح بالدعاء، والذكر، والتأمل.
فضل يوم التروية في الإسلام
يوم التروية ليس فقط محطة لوجستية في الحج، بل هو أحد الأيام العشر التي أقسم بها الله تعالى في سورة الفجر: “والفجر، وليالٍ عشر”، لما تحمله من طاعات وأعمال قربى.
وقد أجمع علماء المسلمين على أن العمل الصالح في هذه الأيام أفضل من غيره، بما فيها الصيام، والدعاء، والصدقات، وقيام الليل، وتلاوة القرآن.
وعلى الرغم من أن دعاء يوم التروية لم يُنقل بصيغة محددة عن النبي محمد ﷺ، فإن فقهاء الإسلام أجازوا الدعاء بأي صيغة يختارها المسلم، ما دامت تعكس صدق الرجاء، وخشوع القلب، وإخلاص النية.
شعائر الحجاج في يوم التروية
في الثامن من ذي الحجة، يتوجه الحجاج إلى مشعر منى، حيث يُحرِم من لم يُحرم بعد، ويبيت الحجيج في منى ليصلوا خمس صلوات اقتداءً بسنة المصطفى ﷺ.
وفي هذا المقام، يتفرغ الحاج للدعاء، وقراءة القرآن، والابتهال، استعدادًا للوقوف على جبل عرفات في اليوم التالي.
أما المسلمون في بقية أنحاء العالم، فيحرصون على صيام يوم التروية، طمعًا في أجره، بينما يُستحب للحاج الإفطار ليؤدي المناسك بقوة ونشاط، دون مشقة.
أفضل دعاء في يوم التروية 2025
في يوم أمس الأربعاء 4 يونيو/ حزيران 2025، الموافق 8 ذو الحجة 1446 هجريًا، يحتشد ملايين الحجاج في مشعر منى، وتتعالى الأصوات بالتكبير والدعاء، فيما تمتلئ القلوب بالأمل والتضرع.
ومن أبرز ما يُقال من دعاء يوم التروية: “اللهم في يوم التروية، أسألك العفو والعافية، واغفر ذنوبنا كلها، دقها وجلها، أولها وآخرها، سرها وعلانيتها.
اللهم اجعل لنا في هذا اليوم دعوة لا تُرد، ورزقًا لا يُعد، وبابًا للجنة لا يُسد.
ربي اجعلنا ممن أُعتق في هذا اليوم من النار، وكتبت لهم السعادة في الدارين.”
كما يردد الحجاج والمسلمون أدعية أخرى تشمل كل جوانب الحياة، منها: “اللهم أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.” “اللهم اجعل يوم التروية بداية لفرج قريب، ونهاية لكل همّ، واستجابة لكل دعاء.” “اللهم لا تحرمنا من حج بيتك، وإن فاتتنا المناسك، فاجعل لنا من الأجر مثلهم وأكثر.”
دعاء يوم التروية وتهيئة النفس ليوم عرفة
دار الإفتاء المصرية شددت في بياناتها الأخيرة على أهمية الاستعداد ليوم عرفة من خلال الإكثار من الدعاء والذكر والتوبة، مشيرة إلى أن يوم التروية يعد بمثابة نقطة انطلاق نفسية وروحية نحو هذا اليوم العظيم.
كما حثّت الدار المسلمين على:
النية الصادقة للعبادة.
التوبة من الذنوب.
الصدقة وصلة الرحم.
مراجعة النفس وتزكية القلب.
وأكدت أن الدعاء لا يقتصر على الحجاج، بل هو باب مفتوح لكل مسلم، في أي مكان وزمان.
فضل الذكر والتكبير في يوم التروية
الذكر من أعظم العبادات في يوم التروية، خصوصًا التكبير والتهليل والتحميد، إذ يقول النبي ﷺ: “ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد.”
ولهذا يُستحب أن يردد المسلم في هذا اليوم:
“الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.”
هذه الأذكار تُحيي القلوب وتقرّب العبد من مولاه، وتمنح النفس سكينة لا تضاهى.
الجانب الروحي والاجتماعي ليوم التروية
ورغم أن يوم التروية مرتبط بالحج، إلا أن دلالاته تتعدى الشعائر، فهو يوم يتطلب التأمل في أحوال النفس والنية، وفتح صفحة جديدة مع الله، وأداء أعمال الخير.
كما أنه مناسبة لتعزيز التواصل الاجتماعي، من خلال صلة الأرحام، والتسامح، والصدقة، مما يعمق من معاني الرحمة والتكافل في المجتمع المسلم.
دعاء يوم التروية.. دعوة مفتوحة للرجاء
ختامًا، يمكن القول إن دعاء يوم التروية ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو مفتاح يفتح أبواب التوبة، ونافذة للرجاء، وجسرٌ نحو يوم عرفة الذي هو أعظم أيام الدنيا.
تعليقات