عبد الغني الحايس يكتب: في ذكرى النكسة.. عبرة

الشعوب تقوم بالثورة من اجل التغيير، فدائما ما تحمل الثورة فى طياتها هدف واضح يتجمع الشعب حوله ويسعى الى تحقيقة .

فعندما قامت الثورة الروسية 1917 كانت ملتزمة بالفكر الإشتراكى، والثورة الفرنسية بالبرجوازية، ومهدت ثورة 1919 الى اقامة الديمقراطية والليبرالية وسعت اليها.


اما حركة الضباط الأحرار فى23 يوليو ليست ثورة تقدمية كما يقول انصارها، انما كانت حركة ناصرية لم تنتمى الى أيدلوجية واضحة، وسعت الى انتقاء ما يتوافق مع طموحاتها وما يضمن بقائها.

وتشكل تلك الحقبة نزاع وخلاف مستمر من اطرافها ومن تعايشوا معها، مما جعلها فترة من أصعب الفترات في التاريخ الحديث، وتحتاج الى اعادة ضبط تاريخى نتيجة فوضى المذكرات الشخصية وتنازع الاهواء لمن سطروا في تلك الحقبة، فمن تقرب من جمال رفعه الى عنان السماء، ومن اختلفوا معه واختلف معهم صبوا جام غضبهم عليه، لكن يبقي عبدالناصر الزعيم الذى تخطت شعبيته الافاق بين الشعوب العربية والافريقية، بل اصبح زعيم عالمي، حتى كانت نكسة 67 التى كسرت عبدالناصر.

فقد كانت نكسة 1967 نقطة تحول في شخصية عبدالناصر، فقد كانت الهزيمة قاسية ومريرة، قلبت موازين الصراع في المنطقة، وانتهت باحتلال سيناء والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة، غير الخسائر البشرية والعسكرية، وخسر معها عبدالناصر حلمة العروبي وزعامته القومية.

استيقظ الشعب المصرى بل والامة العربية على كابوس، فقد كانت البيانات تقول ان العدو سوف يدفن في تل ابيب، وسيقذف بهم في البحر، وستكون الحرب مجرد نزهة ستدفع ثمنها اسرائيل، وتناسوا انه نفس العدو الذى هزم خمس جيوش عربية (حرب 1948) وهو مجرد عصابات صهيونية، وتجرأ مع فرنسا وبريطانيا في عدوانهم 1956 واحتل سيناء.


فمن ورطنا في حرب ونحن غير جاهزين لخوضها؟

من اغلق المضايق وهو يعلم نص اتفاقية الانسحاب بعد حرب 1956، والتى تسمح لاسرائيل بحرية الملاحة وعبور بضائعها على سفن غير اسرائيليه، بأنه اعلان حرب.

من قام بطرد القوات الدولية رغم نص الاتفاق على تواجدها، غير انه يستعد للهجوم على اسرائيل؟

هل كان عبدالناصر يستفز اسرائيل بالشكل الزاعق والنعرات والشعارات التى ادخلت الثقة في نفسة وجموع المصريين وهو لا يعلم قدرات جيشة ومدى استعداده؟


هل استفز عبدالناصر من موقف السعودية العدائى له، وما تذيعه الاذاعات الاجنبية ضدة، ودخولة في علاقات مضطربة مع الغرب، وعداء واضح مع بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الامريكية، وعداء شخصى مع قادة الدول العربية الذى وصل الى حد التطاول؟

هل ورطته روسيا في الحرب بابلاغها له ان اسرائيل حشدت قواتها على أمام الجبهة السورية، رغم نفي الفريق فوزى ادعاء السوفيت وكذبهم؟

هل ورطه السادات بصداقتة للبيضانى وارسال قوات محدودة الى اليمن، وصلت فى نهاية الأمر الى أكثر من 60 الف جندى مصرى من خيرة الجنود المدربيين والمؤهليين؟

هل دعمه لحركات التحرر في افريقيا والدول العربية، وحلمة العروبي والقومي جعله يستنزف مقدرات الوطن على حساب الحلم الشخصى؟

هل أثرت علاقة الصداقة القوية بينه وبين المشير الى إهمال الجيش وعدم مسائلة عامر عن جاهزية القوات المسلحة، برغم المؤشرات الواضحة لتكوين جبهة ضده وعدم قدرته في احراج صديقة، اوقعنا في الهزيمة؟


ولكن النقطة المهمة لماذا تفادى عبدالناصر البدأ بالمعركة وهو يعلم يقينا ان الحرب قادمة لا محالة، برغم تحذيرات بعض القادة بأن تلقي الضربة الاولي سيضعفهم تماما، وستكون الخسائر فادحة، وكانت الضربة، لكنها كانت ضربة قاتلة وخسرنا المعركة قبل ان ندخلها، مازلت تداعياتها ترمى بظلالها على المنطقة حتى الان، برغم عودة ارضنا، والجولان اسيرة، وما يحدث في غزة والضفة وتواصل الاعتداءات على سوريا واليمن ولبنان جعل من المنطقة العربية مسرحا لصراع لا ينتهى ولا يتوقف.

هناك اسئلة كثيرة يجب الاجابة عليها، لكن الهزيمة وقعت، وأصبح عبدالناصرشخصية مختلفة وهادئة، صحيح مهموم ومنكسر، لكنه فهم طبيعه الظروف وقدر لها قدرها، فبدأ في اعاده بناء القوات المسلحة، واعادة جاهزيتها للمعركة، وبدأت حرب الاستنزاف، وعمليات مخابرتية عظيمة، وعمليات خلف خطوط العدو كلفته خسائر فادحة، حتى كانت مبادرة روحرز ومعها بدأ الاعداد لمعركة التحرير.

لم يمهل القدر عبدالناصر ليحرر الأرض المسلوبة، لكنه أعد العدة كاملة للمعركة، وأكمل بعدها السادات، وكانت معركة العبور العظيم، واعادة الارض والكرامة.

ستظل حرب حزيران نقطة سوداء في جبين عبدالناصر، الذى استيقظ من نشوة الزعامة الى ان يكون قائد لمصر وما جاء في التسريب الاخير بينة وبين القذافي خير دليل لتغير نظرة عبدالناصر للامور وتقديرها، ولكن بدأ بتلك النظرة بعد 23 يوليو لأصبحنا في موقع اخر اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وفي كافي المناحى.

سنظل نفتخر بقواتنا المسلحة، وشعبنا العظيم الذى رفض الخضوع للهزيمة ولم يستسلم بل قدم كل ما يملك في سبيل المعركة، وسيظل التاريخ يكتب بحروف من نور عن شعب بطل، صنع النصر، واعاد الكرامة، واعاد الارض بروحه ودمائه وبسالته .

. .rka7

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *