تقرير: صابر جمعة سكر
تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات غير مسبوقة في خريطتها السياسية والتحالفية، في ظل تسارع وتيرة التقارب والتقاطع بين القوى الإقليمية، ما يُنذر ببداية إعادة صياغة شاملة للنظام الإقليمي، ضمن ترتيبات عالمية جديدة آخذة في التشكل.
تقارب سوري سعودي يعيد خلط الأوراق الإقليمية
في خطوة مفاجئة، نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية تصريحًا للرئيس السوري أحمد الشرع قال فيه: “يدنا ممدودة للسلام معكم”، ما أثار جدلًا واسعًا حول توقيت هذه الرسالة ودلالاتها. وقد تزامن هذا التصريح مع زيارة وفد اقتصادي سعودي رفيع المستوى إلى دمشق، برئاسة وزير الخارجية، ما يشير إلى مستوى تنسيق غير مسبوق بين الجانبين.
وأكد العميد حاتم عاطف، المحلل السياسي والعسكري، لموقع “الحرية” أن هذه التحركات تعكس بداية تفعيل نظام إقليمي جديد، لا يكتفي بإعادة توزيع الأدوار التقليدية، بل يسعى إلى زعزعة المنظومة القديمة وإجبارها على إعادة التموضع.

وأشار العميد حاتم إلى أن تقرير مجلة الإيكونوميست الأخير، الذي انتقد توجيه القروض الدولية نحو “مشروبات بيبسي وشوكولاتة”، لا يبدو بريئًا، بل يُفهم ضمن سياق حملة إعلامية ممنهجة تهدف إلى تقويض الثقة بالاقتصاد المصري، وتقديم مقارنة مضللة بين بيئة الاستثمار في مصر ونظيرتها في سوريا.
رسائل الجولاني الغامضة: “عدو مشترك”… بين التصريحات والتأويلات
في خضم هذا الحراك الإقليمي، صرّح الجولاني قائلًا: “نحن وهم نواجه عدوًا مشتركًا”.
ورغم أن التفسير السريع لهذا التصريح قد يشير إلى إيران، إلا أن قراءة أكثر عمقًا تُظهر أن “العدو المشترك” ربما لا يقتصر على دولة بعينها، بل يُقصد به منظومة إقليمية ودولية بأكملها تسعى إلى تصفية مراكز النفوذ التقليدية لصالح ترتيبات جديدة تُصاغ في الخفاء.
مصر في قلب المتغيرات الدولية: رؤية استراتيجية للربط بين القارات الثلاث
تسير مصر بخطى ثابتة نحو موقع استراتيجي متقدم في إطار النظام العالمي الجديد، عبر خطة طويلة الأمد تهدف إلى جعلها مركز الربط الحيوي بين إفريقيا وآسيا وأوروبا، بما يشبه “المفتاح الذهبي” لحركة التجارة العالمية.
مشاريع مصرية لوجستية تعيد رسم خرائط التجارة
وأوضح العميد مهندس معوض العيسوي لموقع “الحرية” أبرز ملامح الاستراتيجية المصرية، والتي تشمل:
توسعة شاملة للموانئ البحرية على سواحل البحرين الأحمر والمتوسط.
تحديث واسع لشبكات الطرق والسكك الحديدية.
إنشاء جسور إقليمية جديدة تربط مصر بجيرانها من الدول العربية والإفريقية.
وتعكس هذه المشاريع رؤية مصرية مدروسة لتحويل الموقع الجغرافي إلى قوة اقتصادية عابرة للحدود، مستفيدة من التحولات الجيوسياسية في الممرات البحرية، خاصةن في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.

القاهرة وطهران تحت مظلة “البريكس”
تجرى حاليًا مباحثات بين القاهرة وطهران تهدف إلى تطبيع تدريجي للعلاقات، ورفع مستوى التعاون في مجالات الطاقة والنفط والسياحة، تحت مظلة منظمة “البريكس”.
ويعمل الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، على استكمال مسار الانفتاح الذي بدأه سلفه إبراهيم رئيسي، غير أن مصر، بحسب مصادر دبلوماسية مطلعة، تتعامل مع هذا المسار بحذر ووفق شروط واضحة، أبرزها:
التزام طهران بالقانون الدولي،
والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار.
ليس مجرد حراك دبلوماسي
تحولات تفرض نفسها… والدول الفاعلة تستعد للتموضع
أشار اللواء أحمد سليمان خليل، عضو البرلمان الأسبق والخبير الاستراتيجي، إلى أن ما تشهده المنطقة اليوم ليس مجرد تحركات دبلوماسية متفرقة، بل هو مخاض استراتيجي لنظام إقليمي ودولي جديد يعيد رسم خرائط النفوذ والتحالفات لعقود مقبلة.
وفي هذا السياق، تبرز دول مثل مصر وسوريا والسعودية وإيران كقوى فاعلة لا تسعى فقط للحفاظ على مواقعها، بل للمشاركة في صناعة توازن إقليمي جديد سيكون له انعكاسات كبرى على مستقبل المنطقة بأسرها.
إلى أين تتجه البوصلة؟
في ظل هذا التسارع في إعادة تشكيل التحالفات، تبقى الأسئلة الأهم معلقة:
من سيتصدر المشهد؟ ومن سيدفع الثمن؟
وما هو شكل الشرق الأوسط الذي يُرسم خلف الأبواب المغلقة؟
الأيام المقبلة وحدها تحمل الأجوبة.
.
تعليقات