تواجه منصة “واتساب”، التابعة لشركة ميتا، مرحلة مفصلية في الهند، أكبر أسواقها عالمياً، بعد صدور توجيهات حكومية جديدة قد تُغير طريقة استخدام التطبيق لمئات الملايين من الأفراد وآلاف الشركات الصغيرة.
التعليمات، التي صدرت أواخر الشهر الماضي وكُشف عنها رسمياً مطلع هذا الشهر، تطالب بعض تطبيقات المراسلة بربط الحسابات بشكل دائم بشريحة اتصال (SIM) نشطة، إلى جانب فرض قيود أكثر صرامة على استخدام التطبيقات عبر الأجهزة المتعددة، بما في ذلك تسجيل الخروج الإجباري من النسخ المكتبية ونسخ الويب كل ست ساعات.
وتقول الحكومة الهندية إن هذه الخطوات تأتي في إطار مكافحة جرائم الاحتيال الإلكتروني المتصاعدة، في بلد سجل خسائر تجاوزت 228 مليار روبية (نحو 2.5 مليار دولار) خلال عام 2024 وحده، بحسب تقرير نشره موقع “تك كرانش” واطلعت عليه “العربية Business”.
وحذرت جماعات حقوق رقمية وخبراء سياسات عامة، إلى جانب هيئات تمثل شركات تقنية كبرى من بينها “ميتا”، من أن هذه الإجراءات قد تمثل توسعاً تنظيمياً مفرطاً يهدد الاستخدام المشروع للتطبيقات.
وتنطبق التوجيهات الجديدة، التي يتعين على شركات مثل “ميتا” و”تيليغرام” و”سيغنال” الالتزام بها خلال 90 يوماً من تاريخ إصدارها في 28 نوفمبر، على ربط الحسابات بالشريحة المستخدمة عند التسجيل، مع إلزام المستخدمين بإعادة توثيق أجهزتهم عبر رمز QR بشكل دوري.
ورغم أن القواعد تشمل عدة تطبيقات، إلا أن التأثير الأكبر يُتوقع أن يطال “واتساب”، الذي يستخدمه أكثر من 500 مليون شخص في الهند.
وتكشف بيانات حديثة أن 94% من مستخدمي “واتساب” في الهند يفتحون التطبيق يومياً، مقارنة بـ59% فقط في الولايات المتحدة، ما يعكس مدى تجذره في الحياة اليومية للهنديين.
وتبرز المخاوف بشكل خاص لدى أصحاب الأعمال الصغيرة، الذين يعتمد كثير منهم على تطبيق “واتساب بزنس” لإدارة الطلبات وخدمة العملاء.
وغالباً ما يُسجّل الحساب على هاتف مرتبط بشريحة اتصال، بينما تُدار المحادثات عبر نسخة الويب أو سطح المكتب، وهو نموذج قد يتعطل بالكامل مع فرض تسجيل الخروج المتكرر والربط الإجباري بالشريحة.
وتأتي هذه التحديات في وقت كانت فيه “واتساب” توسع قدراتها في العمل عبر أجهزة متعددة، لتسهيل الاستخدام دون الاعتماد على هاتف واحد نشط، ما يجعل التوجيهات الجديدة بمثابة تراجع عن هذا المسار.
من نمو سريع إلى ترسخ عميق
وتشير بيانات شركات تحليل الأسواق إلى أن نمو “واتساب” في الهند لم يعد يعتمد على جذب مستخدمين جدد بقدر ما يعتمد على الاحتفاظ بالمستخدمين الحاليين.
فقد ارتفع عدد المستخدمين النشطين شهرياً بنسبة 6% على أساس سنوي، رغم تراجع التنزيلات بنحو 49%.
في المقابل، يشهد تطبيق “واتساب بزنس” نمواً لافتاً، مدفوعاً بتزايد اعتماد التجار عليه، حيث ارتفع عدد مستخدميه النشطين بأكثر من 130% منذ عام 2021، متجاوزًا بكثير نمو التطبيق الأساسي.
تساؤلات قانونية وتقنية
وأثارت التوجيهات الحكومية انتقادات من جهات صناعية، من بينها “منتدى برودباند الهند”، الذي حذر من تعطيل ملموس للخدمات وطرح تساؤلات حول الجدوى التقنية للتنفيذ.
ويرى خبراء سياسات أن هذه الإجراءات تعيد تصنيف تطبيقات المراسلة ضمن إطار الاتصالات، بدلاً من تنظيمها بموجب قانون تكنولوجيا المعلومات، وهو تحول كبير يتم عبر قرارات تنفيذية لا عبر تشريع برلماني.
ورغم الجدل المتصاعد، تبدو فرص الطعن القانوني محدودة في الوقت الراهن، ما يضع واتساب أمام اختبار صعب في السوق التي شكلت عمود نجاحه العالمي، وقد تتحول اليوم إلى أكبر تحدٍ يواجهه منذ إطلاقه.
