رهان الشركات الكبرى.. ما هي تقنية التوأم الرقمي؟

في عالم يتجه بسرعة نحو القرارات المعتمدة على البيانات، تبرز تقنية التوأم الرقمي (Digital Twin) كأحد أكثر الابتكارات تأثيراً في طريقة عمل الشركات وإدارة الأنظمة المعقدة.

وببساطة، التوأم الرقمي هو نسخة افتراضية مطابقة لكائن مادي، أو شخص، أو نظام، أو عملية تشغيلية، يتم ربطها ببيانات حقيقية تُحدث باستمرار لتعكس الواقع لحظة بلحظة.

نسخة رقمية من الواقع

تخيل أن يكون لديك نسخة رقمية منك، تعيش في بيئة افتراضية تحاكي منزلك أو عملك أو مدينتك، ويمكنك من خلالها تجربة قراراتك دون أي مخاطر.

هذا المفهوم نفسه تعتمد عليه الشركات، إذ يسمح لها التوأم الرقمي بمحاكاة السيناريوهات المختلفة، والتنبؤ بالنتائج، واتخاذ قرارات أدق وأسرع، بحسب تقرير لشركة ماكنزي.

ويتميز التوأم الرقمي بارتباطه المباشر بمصادر بيانات حقيقية، إلى جانب طبقة من التحليلات والتصورات البصرية، ما يتيح فهمًا أعمق للأداء الحالي والمستقبلي.

وعند ربط عدة توائم رقمية ضمن نظام واحد، يمكن إنشاء بيئة رقمية متكاملة تحاكي المؤسسة بأكملها.

بحسب تقديرات شركة ماكنزي، من المتوقع أن ينمو سوق التوأم الرقمي عالمياً بمعدل يقارب 60% سنوياً خلال السنوات الخمس المقبلة، ليصل إلى 73.5 مليار دولار بحلول 2027، في مؤشر واضح على تسارع تبني هذه التقنية.

أنواع التوائم الرقمية

تتنوع تطبيقات التوأم الرقمي بحسب الغرض منها، ومن أبرزها:

توأم المنتج: يمثل المنتج في مختلف مراحل دورة حياته، من التصميم والهندسة إلى التشغيل الفعلي، مع بيانات آنية تحاكي الأداء الحقيقي.

توأم البيانات: مثال شائع عليه “خرائط غوغل”، التي تمثل نسخة رقمية من سطح الأرض مدعومة ببيانات حركة المرور في الوقت الحقيقي.

توأم الأنظمة: يركز على محاكاة العمليات المعقدة مثل سلاسل الإمداد، والتصنيع، وتجربة العملاء.

توأم البنية التحتية: يشمل تمثيل الطرق، والمباني، والملاعب، وحتى المدن الذكية.

أداة استراتيجية لسلاسل الإمداد

تلجأ المؤسسات بشكل متزايد إلى التوأم الرقمي لسلاسل الإمداد، في ظل خسائر سنوية تُقدر بنحو 45% من أرباح عام واحد بسبب الاضطرابات.

وتُظهر الدراسات أن 86% من الشركات تستثمر حالياً في تحويل سلاسل الإمداد لمواجهة المخاطر.

وتتيح هذه التوائم لقادة الشركات تجربة القرارات افتراضياً، وتسريع عملية اتخاذ القرار بنسبة قد تصل إلى 90%، فضلًا عن تحسين الكفاءة والمرونة التشغيلية.

قيمة مضافة للأعمال

توفر التوائم الرقمية فوائد متعددة، من بينها:

– تحسين الرؤية الفورية والمتوقعة للأداء.

– تقليل المخاطر في تطوير المنتجات والعمليات.

– خفض التكاليف ورفع كفاءة التشغيل.

– تحسين تجربة العملاء وزيادة الإيرادات، إذ سجّلت بعض الشركات نمواً في الإيرادات وصل إلى 10% عبر توائم رقمية للعملاء.

من يستخدم التوأم الرقمي؟

تعتمد هذه التقنية بشكل أساسي على النضج الرقمي وجودة البيانات.

وتشير البيانات إلى أن نحو 75% من الشركات في القطاعات المتقدمة، مثل السيارات، والطيران، والدفاع، والتقنية، والتجزئة، بدأت بالفعل بتبني توائم رقمية متوسطة إلى متقدمة التعقيد.

أمثلة واقعية

مرسيدس-بنز: تتيح للعملاء “تجربة قيادة” افتراضية عبر توأم رقمي للسيارة.

Anheuser-Busch InBev: تستخدم توأماً رقمياً لإدارة التخمير وسلاسل الإمداد بمرونة.

SpaceX: تعتمد على توأم رقمي لمركبة “دراغون” لمراقبة الرحلات الفضائية بدقة عالية.

مع الذكاء الاصطناعي

يمكن دمج التوأم الرقمي مع الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحقيق نتائج أكبر، إذ يساعد الذكاء الاصطناعي في بناء النماذج وتحليل البيانات، بينما يوفر التوأم الرقمي بيئة اختبار آمنة للتعلم والتجربة.

الاستدامة والتحديات

تسهم التوائم الرقمية في تعزيز الاستدامة، عبر تقليل الهدر وتحسين تتبع المواد وخفض النفايات الصناعية بنسبة قد تصل إلى 20%.

ورغم ذلك، تواجه الشركات تحديات تتعلق بإدارة التغيير، والبنية التحتية للبيانات، والحاجة إلى كوادر متخصصة.

وفي المحصلة، لم تعد تقنية التوأم الرقمي مجرد أداة تجريبية، بل أصبحت ركيزة استراتيجية للشركات التي تسعى إلى قرارات أدق، وعمليات أكثر مرونة، واستعداد أفضل لمستقبل سريع التغير.