طارق العوضي يكتب: لا تحلموا بعالم سعيد.. انتخابات برلمانيه قادمة

في كل موسم انتخابي، تعود الأصوات لتدعو إلى التفاؤل، إلى الأمل، إلى انتظار التغيير، وكأنّ الذاكرة قد شُطبت، وكأنّ التجارب الماضية لم تكن كافية لاستيعاب الدرس. وقد يُقال لنا إن البرلمان القادم سيكون مختلفًا، وإن المشهد سيتجدد، وإن الشعب سيستعيد صوته تحت القبة، لكن الواقع لا يُشبه هذه الأمنيات.

فالحقائق عنيدة، والمؤشرات كلها تصرخ بأن القادم لن يكون سوى امتدادٍ لما مضى، وربما أكثر خفوتًا، وأكثر انتظامًا في أداء الدور المرسوم سلفًا.


 

لم تعد الأزمة أزمة تمثيل، بل أزمة غياب كامل لفكرة التمثيل نفسها. أصبحت القاعة التي وُلدت لتكون منبرًا للشعب، مجرّد هيكل إداري، يُمارَس فيه الطقس البرلماني بلا مضمون. الكلمات تُلقى، والقرارات تُمرر، والتصفيق حاضر أكثر من الأسئلة.

لا صدام، لا مراجعة، لا مساءلة. فقط تأدية واجبٍ شكلي يُريح النظام من عبء وجود معارضة حقيقية.

 


لقد أُفرغ العمل النيابي من معناه؛ لا بسبب عجز الأفراد، بل لأن البنية التي يُنتج من خلالها هذا البرلمان باتت مغلقة، موجهة، لا تترك مجالًا لاختيارات حرة، ولا لبرامج متنافسة. العملية برمتها تبدأ وتنتهي عند حدود معلومة، تضمن نتائج محسوبة سلفًا، وتعيد تدوير نفس الأسماء، أو الدفع بوجوه لا تمثل إلا نفسها. ولم تكن الأحزاب سوى امتداد لهذا الفراغ، تتصارع على مقاعد بلا تأثير، وتساير قواعد اللعبة دون أن تملك شجاعة الخروج عنها.

 

وفي ظل هذا الواقع، ليس مستغربًا أن يتحول البرلمان إلى مجرد جسر تعبر فوقه السياسات دون نقاش، وأن يغيب صوت الناس الحقيقي، ويُستبدل بحناجر معدّة للتكرار لا للاعتراض.

الخطورة هنا ليست فقط في غياب الصوت، بل في اعتياد الصمت، في تعوّد المجتمع على أن البرلمان لا يعنيه، وأن ما يُقال تحت قبته لا يُغير شيئًا في حياته اليومية.


وحين يعتاد المواطن على هذا الغياب، يتعود بالتبعية على الغياب في كل شيء: في القرار، في المصير، في الحلم.

 

لكن، حتى وسط هذا الخواء، لا يجب أن يُفهم الرفض على أنه يأس. فعدم التفاؤل ليس دعوة للقعود، بل رفض للانخداع. علينا أن نرى الأشياء كما هي، لا كما يُراد لنا أن نراها.

فالإصلاح لا يبدأ من قبة البرلمان، بل من الشارع، من النقابة، من الجامعة، من المحكمة، من كل موقع ما زال فيه صوت حر ينبض. ليست البرلمانات وحدها هي من تصنع الديمقراطية، بل المجتمعات الواعية التي ترفض التزييف، وتعرف أن الكلمة مسؤولية، وأن الصمت خيانة.

 


ربما لا يحمل الغد مفاجآت، وربما لا يأتي البرلمان الجديد بشيء جديد.

لكن هذا لا يمنع أن نواصل الحفر في جدار الصمت، لا لننهار، بل لنفتح ثغرة يدخل منها ضوء، مهما كان ضئيلاً. إن الحلم بعالم سعيد لا يجب أن يتحول إلى سذاجة، لكن التخلي عن الحلم تمامًا هو الموت البطيء.

. .hm5r

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *