نحن لا نحمل في صدورنا غضبًا مؤقتًا ولا حزنًا عابرًا يخفف عنه الوقت أو تنال منه الذاكرة ما نحمله خصومة… خصومة مفتوحة مع الظلم بكل صوره بكل وجوهه بكل مَن مارسه ومَن سكت عنه ومَن زَيَّنه ومَن استساغه ومَن مرَّ بجانبه دون أن يُنكره.
نحن في خصومةٍ مع الذين أوجعونا ثم مرّوا كأن شيئًا لم يكن. مع الذين جعلونا نشك في أنفسنا ونُراجع قيمنا ونشعر أن طيبتنا سذاجة وصبرنا ضعف وكرامتنا قابلة للدهس نحن في خصومة مع الذين سحبوا من تحتنا أرضًا كنا نظنها آمنة.
نحن في خصومةٍ مع أصحاب المناصب الذين حين تبوأوا الكراسي نسوا أنها زائلة وتوهموا أن السلطة تمنحهم صلاحية مع من توهّم أن الكرسي يمنحه قداسة، وأن الكلمة حين تخرج من فمه تصبح قانونًا لا يُردّ، حتى وإن كسر بها قلبًا أو خنق بها حلمًا.
لكن خصومتنا لا تقف عند أبواب السلطة..
نحن في خصومة مع الكلمات التي قيلت باستهانة وتركَت في القلب شرخًا مع النظرات التي حملت استخفافًا
مع الأصدقاء الذين انسحبوا في اللحظة الخطأ، ومع الأحبة الذين عجزوا عن أن يكونوا سندًا حين كنا عراةً من كل شيء
نحن في خصومةٍ مع الذين تركونا نسقط
الظلم لا يحتاج عصًا أو سوطًا أحيانًا يكفيك أن تُدير ظهرك أو تَسخر
تصمت حين يُنتظر منك الكلام أحيانًا تظلم لأنك لم تأتِ حين وجب الحضور أو لأنك كنت حاضرًا حضورًا فارغًا
أتذكّر طفولتي حين كنا نذهب إلى العجمي صيفًا. ومع غروب الشمس كانت الأمواج تضرب الكراسي البلاستيكية فتهوي بها فجأة كأنها لم تكن لم أفهم وقتها لماذا ظل هذا المشهد في ذاكرتي اليوم فقط أدركت… أن الظلم يشبه تلك الأمواج. لا يُنذر لا يُمهل لا يفرّق يهوي بك من حيث لا تتوقع
ويتركك مُلقىً…
ما أخافه حقًا، ليس فقط أن أظلم بل أن أظن أنني على صواب وأنا في قاع الخطأ. أكثر ما يُرعبني في كتاب الله ليس وصف النار، ولا مشاهد الحساب، بل تلك الآية التي تهزّني من الداخل:
“الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا”
تلك الآية تُربكني. تُخيفني. تجعلني أراجع نفسي ألف مرة. أن تظن أنك صاحب خير وتكتشف أنك كنت أداة إيذاء أن ترى نفسك مرآة للحق وتكتشف أنك مررت كالغبار ، لا تترك إلا الضيق في الصدور.
نحن في خصومة إلى يوم الدين مع كل من ظلم ولم يعتذر مع من أخطأ ولم يتراجع، مع من أوجع ولم يلتفت مع من مشى على أرواح الناس ليرتقي واعتبر ذلك ذكاءً.. مع من تجاهل وبرّر ، وظنّ أن الأيام لا تُدوّن وأن الله لا يُحصي.
نحن في خصومة لا تنتهي…
لكننا نحيا , ونتذكّر حين قال: “ربِّ إني مغلوبٌ فانتصر.”
تعليقات